الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج1-ص270
كلمٌ وأصابته جنابةٌ فصلى ولم يغتسل وخاف على نفسه فعاب عليه ذلك أصحابه فلما قدم على النبي ( ص ) ذكر ذلك له فأرسل إليه فجاء فأخبر فأنزل الله : ( وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ) ولأنه لما كان الفرض يتغير بلحوق المشقة من غير خوف التلف كالمسافر ، ويفطر لأجل المشقة ، والمريض يفطر ، وترك القيام في الصلاة للحوق المشقة فلأن يتغير الفرض لخوف التلف من استعمال الماء أولى .
فإذا ثبت جواز التيمم في المرض مع وجود الماء فالمرض على أربعة أقسام :
– القسم الأول – أن لا يكون يستضر باستعمال الماء فيه كاليسير من الحمى . ووجع الضرس أو نفور الطحال فلا يجوز له أن يتيمم في هذه الحالة ، وقال مالك وداود : يجوز أن يتيمم لعموم قوله تعالى : ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ ) ( المائدة : 6 ) لأن الله تعالى أباح التيمم في حالتين من مرض وسفر ، فلما جاز في قليل السفر وكثيره ، جاز في قليل المرض وكثيره ، وهذا خطأ ؛ لأن الله تعالى أباح للمريض أن يتيمم للحوق المشقة والأذى وخوف التلف من استعمال الماء فإذا أمن من الخوف من استعمال الماء ارتفعت الإباحة ، وعاد إلى حكم الأصل في وجوب استعمال الماء ؛ ولأنه واجد للماء لا يستضر من استعماله ، فلم يجز أن يتيمم كالصحيح ، فأما الجواب عن إطلاق الآية فهو إضمار الفروق فيها ، وإضمار الضرورة إنما تكون عند الاستضرار بالماء ، وأما الجواب عن السفر فهو أن التيمم يجوز في كلا الموضعين عند الضرورة ألا إن الضرورة في السفر عدم الماء ، فاستوى حكم طويل السفر وقصيره عند عدم الماء لوجود الضرورة ، والضرورة في المرض حدوث الأذى والاستضرار بالماء فافترق حكم قليله وكثيرة .