الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج1-ص248
إلى جميع العضو ، وليس كذلك التراب ؛ لأنه جامد لا يكاد يصل إلى تكاسير العضو إلا بإمراره ومباشرته ، فأما تخليل الأصابع فإن لم يكن قد وصل غبار التراب إلى ما بين الأصابع كان تخليلها واجباً ، وإن كان قد وصل إليها ففي وجوب تحليلها وجهان على ما ذكرنا .
فإن قيل : فلم ضيق الشافعي صفة التيمم بهاتين الضربتين على الوجه الذي ذكره ؟ ففيه جوابان :
أحدهما : إنه اتبع فيه الرواية عن النبي ( ص ) .
والثاني : أنه خرج عن سؤال سائل زعم أن مسح الذراعين بضربة واحدة مستحيل فبين وجه صحته ، وبطلان استحالته ، فلو لم يكتف بضربتين استعمل ضربة ثالثة ورابعة حتى يعم جميع وجهه وذراعيه .
قال الماوردي : وهذا كما قال استيعاب جميع الوجه والذراعين في التيمم واجب كالوضوء ، فكل موضع منهما لزم إيصال الماء إليه في الوضوء لزم إيصال الغبار إليه في التيمم ، فإن ترك من وجهه أو من ذراعيه شيئاً لم يصل الغبار إليه وإن قل لم يجزه ، وقال أبو حنيفة : إن ترك أقل من قدر الدرهم أجزأه وكان معفواً عنه وإن ترك قدر الدرهم فصاعداً لم يجزه ، وبنى ذلك على أصله في أن قدر الدرهم حد للمعفو عنه في النجاسة ، فصار أصلاً للمعفو عنه في التيمم ، ثم استدل بأن الغسل إذا تبدل بالمسح جاز أن لا يقع فيه الاستيعاب كالمسح على الخفين ، ودليلنا قوله تعالى : ( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ مِنْهُ ) ( المائدة : 6 ) . وقد ثبت اتفاقنا وإياه أن الباء لم تدخل ها هنا للتبعيض فصارت الآية موجبة للتيمم ، ولأنها طهارة لم يسامح فيها بالدرهم فلم يسامح فيها بأقل من الدرهم كالوضوء ، ولأن ما لم يجز تركه من محل وضوئه لم يجز تركه من محل تيممه كالدرهم ، فأما الجواب عما ذكره من بنائه على أصله في النجاسة فمن وجهين :
أحدهما : أنه بنى خلافاً ينازع فيه على أصل لا يسلم له .
والثاني : إنه جمع فاسد ؛ لأنه جعل الدرهم في النجاسة ملحقاً بما دونه في القلة فكان الدرهم في النجاسة قليلاً ، وجعل الدرهم في التيمم ملحقاً بما فوقه في الكثرة فكان الدرهم في التيمم كثيراً فلم يسلم له بناء أحدهما على الآخر ، وأما قياسه على المسح على الخفين فمنتقض بالمسح على اللصوق والجبائر هو بدل من الغسل ، ويلزم فيه الاستيعاب ، ثم المعنى في الخفين أنه بدل رخصة يجوز مع القدرة على الغسل ، فجاز الاقتصار على البعض ترفهاً ، والتيمم بدل ضرورة لا يجوز مع القدرة على الماء فلزم الاستيعاب فيه تغليظاً .