الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج1-ص238
قيل : وإن كان اشتقاقه من هذا فإطلاقه يتناول التراب لأن الكحل والزرنيخ لا يسمى صعيداً ، وإذا كان للاسم إطلاق واشتقاق كان حمله على إطلاقه أولى من حمله على اشتقاقه ، ألا ترى أن من حلف لا يركب دابة ، حنث بركوب الخيل ، ولم يحنث بركوب النعم ، وإن كان اسم الدابة مشتقاً مما يدب .
ثم الدليل عليه من طريق السنة ما رواه الشافعي عن إبراهيم بن محمد وعبد الله بن محمد بن عقيل أنه سمع محمد بن علي يقول : ‘ سمعت علياً يقول قال رسول الله ( ص ) : ‘ أعطيت ما لا يعطى نبيٌ من أنبياء الله نصرت بالرعب ، وأعطيت مفاتيح الأرض ، وسميت أحمد ، وجعل لي التراب طهوراً ، وجعلت أمتي خير الأمم ‘ . فموضع الدليل منه أنه لو كان غير التراب طهوراً له لذكره فيما من الله عليه ، وروى ابن شعيب عن أبي ذر قال : ‘ قلت يا رسول الله أصيب أهلي وإن لم أقدر على الماء قال : ‘ أصب أهلك وإن لم تقدر على الماء عشر سنين فإن التراب كافيك ‘ فلما جعل اكتفاء أبي ذر في التيمم بالتراب دل على أنه لا يكتفي بغير التراب ، ومن طريق القياس أنها طهارة حكمية فوجب أن لا يقع التخيير فيما يتطهر به كالوضوء ، وإن شئت قلت : لأنها إحدى الطهارتين فلم يتخير فيها بين جنسين مختلفين كالوضوء ، ولأنه جوهر مستودع في الأرض فلم يجز التيمم به كالفضة والذهب ، ولأن الطهارة تتنوع نوعين جامداً ومائعاً ، ثم ثبت أنها في المائع تختص بأعم المائعات وجوداً وهو الماء ، فكذلك في الجامد يجب أن تختص بأعم الجامدات وجوداً وهو التراب ، ولأن الله تعالى إنما نقلنا من الماء عند عدمه وتعذره إلى ما هو أيسر وجوداً وأهون فقداً ، والكحل والزرنيخ أعز في أكثر الأحوال وجوداً من الماء ، فلم يجز أن ننتقل عن الأهون إلى