الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج1-ص185
وأنشد الشافعي :
وأما الشرع فقوله تعالى : ( فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ ) ( الأنعام : 7 ) ، وقوله : ( إِنَا لَمَسْنَا السَّمَاءَ ) ( الجن : 8 ) ، ونهى النبي ( ص ) عن بيع الملامسة .
والثاني : أن اسم الملامسة اسم له حقيقة ومجاز ، وقد يستعمل في الجماع والمسيس فلم يجز أن يكون حقيقة فيهما ، ولا أن يكون حقيقة في الجماع لأنه بالمسيس أخص وأشهر فصار مجازاً في الجماع حقيقة في المسيس ، والحكم المعلق بالاسم يجب أن يكون إطلاقه محمولاً على حقيقته دون مجازه . فإن قيل : بل هي حقيقة في الجماع لأمرين .
أحدهما : أن علياً وابن عباس حملاه على الجماع وهو بالمراد به أعرف .
والثاني : أنها مفاعلة لا تكون إلا من فاعلين وذلك هو الجماع دون المسيس ، قيل أما تأويلا علي وابن عباس فقد خالفهما ابن مسعود وابن عمر ، وكذلك عمر وعمار ، وأما المفاعلة لا تكون إلا من فاعلين فكذلك صورة المسيس باليد على أن حمزة الكسائي قد قرأ : ( أَوْ لَمَسْتُمْ ) وذلك لا يتناول إلا المسيس باليد فإن حملت قراءة من قرأ أو لامستم على الجماع كانت قراءة من قرأ أو لمستم محمولة على المسيس باليد ، فيكون اختلاف القراءتين محمولاً على اختلاف حكمين على أن زيد بن أسلم وهو من أهل العلم بتفسير القرآن قال : إن في الآية تقديماً وتأخيراً ورتب الآية ترتيباً حسناً يسقط معه هذا التأويل فقال : ظاهر قوله : ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ ) ( النساء : 43 ) . فيقتضي أن يكون السفر والمرض حدثاً وبالإجماع ليسا بحدث فدل على أن في الآية تقديماً وتأخيراً ، وأن ترتيب الكلام : يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة من نوم أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ، وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين إن وجدتم الماء ، وإن كنتم جنباً فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر وجاءكم ما تقدم من الحدث أو الجنابة فتيمموا صعيداً طيباً ، وهذا تفسير يقتضيه ظاهر الآية ويسقط معه هذا التأويل ، وليس يمتنع في الكتاب واللغة التقديم والتأخير ، قال الله تعالى : ( الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً ) ( الكهف : 1 ) . تقديره الكتاب قيماً ولم يجعل له عوجاً ، وقال : ( فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ ) ( هود : 71 ) . أي بشرناها بإسحاق فضحكت ، وقال الشاعر :
يعني لقد كان في ثواء حول ثوأتيه ، ثم من الدليل على ما ذكرنا من طريق السنة ما