پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج1-ص115

فأما مالك فاستدل بقوله تعالى : ِ ( وامسحوا برءوسكم ) [ المائدة : 6 ] ، فاقتضى الظاهر أن يمسح جميع ما انطلق عليه اسم الرأس ، وبحديث عبد الله بن زيد أن رسول الله ( ص ) مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر ، بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى ما قفاه ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه ، وبحديث المقدام بن معد يكرب قال : رأيت رسول الله ( ص ) توضأ فلما بلغ مسح رأسه وضع كفيه على مقدم رأسه فأمرهما حتى بلغ القفا ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه .

ولأنه أحد الأعضاء الظاهرة فوجب أن يكون استيعابه بالتطهير واجبا كالوجه ولأن كل موضع كان محلا لفرض المسح تعلق به فرض المسح أصله البعض المتفق عليه .

ودليلنا قوله تعالى : ( وامسحوا برءوسكم ) [ المائدة : 6 ] ، ومنه دليلان :

أحدهما : أن العرب لا تدخل في الكلام حرفا زائدا إلا بفائدة ، والباء الزائدة ، قد تدخل في كلامهم لأحد أمرين : إما للإلصاق في الموضع الذي لا يصح الكلام بحذفها ، ولا يتعدى الفعل إلى مفعوله إلا بها كقولهم مررت بزيد ، وكقوله تعالى : ( وليطوفوا بالبيت العتيق ) [ الحج : 29 ] . لما لم يصح أن يقولوا مررت زيدا ، وليطوفوا البيت كان دخول الباء للإلصاق ، ولتعدي الفعل إلى مفعوله . وإما للتبعيض في الموضع الذي يصح الكلام بحذفها ، وبتعدي الفعل إلى مفعوله بعدها ليكون لزيادتها فائدة .

فلما حسن حذفها من قوله تعالى : ( وامسحوا برءوسكم ) [ المائدة : 6 ] ، لأنه لو قال : ( وامسحوا رءوسكم ) [ المائدة : 6 ] ، صلح دل على دخولها للتبعيض .

والثاني : أن من عادة العرب في الإيجاز والاختصار إذا أرادوا ذكر كلمة اقتصروا على أول حرف منها اكتفاء به ، عن جميع الكلمة كما قيل في قوله تعالى : ( كهيعص ) أن الكاف من كافى ، والهاء من هادى ، وكما قال الشاعر : قلت لها قفي فقالت قاف . أي وقفت ، وكما قال الآخر : نادوهم أن ألجموا ألا تا فقالوا جميعا كلهم ألا فا ، ومعناه نادوهم أن ألجموا ألا تركبون قالوا جميعا ألا فاركبوا .