پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج1-ص77

الشرب فيه أصون استعمالا من الاغتسال منه فلما كان الشرب محرما ، وكان ما سواه أولى بالتحريم ، ولأن تحريم الشرب فيه لأحد معنيين إما لما فيه من الخيلاء والكبر المفضي إلى البغضاء والمقت ، ولما فيه من إنكسار قلوب الفقراء المفضي إلى التحاسد التقاطع ، ووجود كل واحد من المعنيين فيما سوى الشرب من الاستعمال أكثر من وجوده في الشرب وكان بالتحريم أحق .

وأما نصه على الشرب ينبه به على غيره من الاستعمال كما نص على الفضة ينبه به على الذهب .

وأما قوله : ‘ إنما يجرجر في جوفه نار جهنم ‘ فالجرجرة : التصويت . قال الشاعر :

( وهو إذا جرجر بعد الهب
جرجر في حنجره كالحب )

وقوله : نار جهنم . فالجرجرة يعني : سيصير يوم القيامة نارا فعبر عن الحال بالمآل كما قال تعالى : ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا ) [ النساء : 10 ] . يعني : يصير يوم القيامة نارا .

فإذا ثبت تحريم استعمالها فأكل فيها وتوضأ منها كان الطعام حلالا والوضوء جائزا وإنما يكون بالاستعمال عاصيا ، وإنما كان كذلك لأن النهي عنه لمعنى في الإناء لا لمعنى في الماء والطعام بخلاف الماء النجس الذي يختص النهي عنه لمعنى فيه لا في غيره ، والأصول مقررة على الفرق بين ورود النهي عن الشيء لمعنى فيه فتقتضي فساد المنهى عنه وبين وروده لمعنى في غيره فلا تقتضي فساد المناهي عنه كالنهي عن الصلاة في بقعة نجسة لما اختص لمعنى في البقعة بطلت ، وفي الدار المغصوبة لما اختص لمعنى في المالك لم يبطل والأولى : لمن أراد أن يتوقى المعصية بأكل ما في أواني الذهب والفضة أن يخرج الطعام والشراب منها ثم يأكله إن شاء ولا يعصي به كما حكى أن فرقد السبخي ، والحسن البصري حضرا وليمة بالبصرة مقدم إليهما طعام في إناء من فضة فقبض يده عن الأكل منه فأخذ الحسن الإناء وأكبه على الخوان وقال : كل الآن إن شئت . فأما اتخاذ أواني الذهب والفضة للادخار والزينة دون الاستعمال ففيه وجهان :

أحدهما : يجوز لاختصاص الاستعمال بالتحريم .