الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج1-ص68
أصحابه فقد ألقى شعره مرارا ولم يقسمه ولا خص به أحدا وإنما فعل ذلك مرة بمنى ، وقصد به أحد أمرين إما التوصل إليهم من بركته وإما لتميز من خصه فيصير ذلك لهم شرفا وفخرا ، وقد أنكر على أبي طيبة شربه دمه ونهاه عن مثله وقال حرم الله جسمك على النار .
فإذا تقرر ما وصفنا فالمذهب نجاسة الشعر بالموت لحلول الروح فيه ، ومن أصحابنا من قال أقول فيه لا حياة ولا أقول فيه روح ، وهذا اختلاف عبارة تتفق المعنى فيه .
وقال أبو حنيفة : الشعر والعظم ليس بذي روح ، ولا ينجس بالموت . وقال مالك : الشعر ليس بذي روح ولا في العظم رود تنجس بالموت
واستدلوا على ذلك من وجهين :
أحدهما : أن لا روح فيه .
والثاني : أنه لا ينجس بالموت .
فأما دليلهم على أن لا روح فيه فمن ثلاثة أوجه :
أحدها : أن الألم من سمات الروح فلما كان وجوده دليلا على ثبوت الحياة كان انتفاؤه دليلا على عدم الحياة وليس في الشعر والعظم ألم فلم يكن فيه حياة .
والثاني : أن ما حلته الحياة أسرع إليه الفساد بزوال الحياة كاللحم ، فلما كان العظم والشعر على حاله واحده قبل الموت وبعده في انتفاء الفساد عنه دل على أن لا حياة فيه .
والثالث : أن ما حلته الحياة فالشرع مانع من أخذه منه في حال الحياة كالجلد وما لم تحله الحياة لم يمنع الشرع من أخذه منه في حال حياته كاللبن ، فلما جاز أخذ الشعر من الحيوان دل على أن ليس فيه حياة .
وأما دليلهم على أنه لا ينجس بالموت فمن أربعة أوجه :
أحدها : قوله تعالى : ( ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين ) [ النحل : 80 ] . فكان منها دليلان :
أحدهما : ما يقتضيه عموم لفظها من التسوية بين الحي والميت .