الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج1-ص41
فصل :
وأما قول الشافعي أو بئر أو سماء فإنما أراد ماء بئر أو ماء سماء فحذف ذكر الماء اكتفاء بفهم السامع كما قال تعالى : ( وما يستوي البحران ) [ فاطر : 12 ] . يعني ماء البحرين وأما ماء السماء فقد دللنا على جواز الطهارة به لقوله : ( وأنزلنا من السماء ماء طهورا ) [ الفرقان : 48 ] . وأما ماء البئر والعين والنهر فبقوله تعالى : ( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ) [ الزمر : 21 ] . يعني بها ماء البئر والعين والنهر .
فصل
: وأما قوله أو برد أو ثلج فيريد به أيضا ماء برد أو ماء ثلج ، والدليل على جواز الطهارة به ما روي عنه عليه السلام أنه قال : ‘ اللهم طهرني بماء الثلج والبرد كما تطهر النوب من الدرن ‘ ولأنه كان ماء فجمد ، ثم صار ماء حين ذاب وانحل ، فأما إذا أخذ الثلج والبرد فدلك به أعضاء طهارته قبل ذوبانه وانحلاله ، قال الأوزاعي : يجزيه ، وإطلاق ما قاله الأوزاعي غير صحيح ، لأن إمراره الثلج على أعضائه يكون مسحا يصل إلى العضو بكل الماء ، فإن كان المستحق في العضو المسح كالرأس أجزأه بحصول المسح ، وإن كان المستحق الغسل لم يجز لأن حد الغسل أن يجري الماء بطبعه ، وهذا مسح ، وليس بغسل ومسح ما يجب غسله غير مجزئ ، فلو كان في إمراره على الأعضاء يذوب عليها ثم يجري ماؤه عليها ففي جوازه وجهان لأصحابنا أحدهما يجزئ لحصول الغسل بجريان الماء على الأعضاء ، والثاني لا يجزئ لأنه بعد ملاقاة الأعضاء صار جاريا .
فصل
وأما قوله ‘ مسخن وغير مسخن فسواء ، والتطهر به جائز ‘ فإنما قصد بالمسخن أمرين :
أحدهما : الفرق بين المسخن بالنار وبين الحامي بالشمس في أن المسخن غير مكروه والمشمس مكروه .
والثاني : الرد على طائفة منهم مجاهد وزعموا أن المسخن بالنار مكروه ، وهذا غير صحيح ، لما روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يسخن له الماء فيستعمله والصحابة يعلمون ذلك منه ، ولا ينكرونه ، ولأن تسخين الماء بمنزلة التبريد يرفعان عنه تارة ويحلان فيه أخرى ، فلما لم يكن تبريده مانعا من استعماله لم يكن تسخينه الدافع لرده مانعا من استعماله ، ولعل مجاهدا كره منه ما اشتد حماه ، فلم يمكن استعماله ، وذلك عندنا