الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج1-ص40
وقال آخر :
وماء البحر طاهر مطهر غير مكروه ، وحكي عن عبد الله بن عمرو بن العاص وعن سعيد بن المسيب أنهم كرهوه وقدموا التيمم عليه استدلالا بقوله تعالى : ( وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ) [ فاطر : 12 ] . فمنعه من التسوية بينهما يمنع من تساوي الحكم في الطهارة بهما ، ولأن النبي ( ص ) قال : ‘ البحر نار من نار .
ودليلنا قوله عليه السلام في البحر : ‘ البحر هو الطهور ماؤه الحل ميتته ‘ .
وروى الشافعي عن إبراهيم بن محمد عن عبد العزيز بن عمر عن سعيد بن ثوبان عن أبي هند الفراسي عن أبي هريرة عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ من لم يطهره البحر فلا طهره الله ‘ ولأن الماء قد يختلف في طعمه ولونه فلما لم يكن اختلاف ألوانه يمنع من تساوى الحكم في الطهارة به لم يكن اختلاف طعمه مانعا من تساوي حكمه في الطهارة . وأما قوله : ( وما يستوي البحران ) [ فاطر : 12 ] . فإنما نعني ما ذكره من أن أحدهما عذب فرات سائغ شرابه والآخر ملح أجاج غير سائغ شرابه .
وأما قوله عليه السلام : ‘ البحر نار في نار ‘ يعني أنه كالنار لسرعة إتلافه أو أنه يصير يوم القيامة نارا لقوله تعالى : ( وإذا البحار سجرت ) [ التكوير : 6 ] . فثبت أن لا فرق بين الماء المالح والعذب ، فأما الماء الذي ينعقد منه الملح فإن ابتدأ بالجمود خرج عن حد الجاري ، فلم يجز استعماله ، وإن كان ماء جاريا فهو ضربان : ضرب يصير ملحا بجوهره في الماء ، دون البرية كأعين الملح التي تنبع ماء مائعا ويصير جوهره ملحا جامدا فظاهر مذهب الشافعي وما عليه جمهور أصحابه جواز استعماله لأن اسم الماء المطلق يتناوله في الحال ، وإن كان هذا الاسم يؤول عنه إذا جمد في ثاني الحال كما يجمد الماء فيصير ثلجا . قال أبو سهل الصعلوكي : لا يجوز استعماله ، لأنه جنس آخر غير الماء كالنفط والقار .