الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج1-ص33
ينقضه به ، وإن كان لم يعمل به أمسك عنه ، ولو استفتى فقيهين فأفتاه أحدهما بتحليل ، والآخر بتحريم ، ففيه وجهان :
أحدهما : أنه بالخيار بالأخذ بقول من شاء منهما ، كما كان بالخيار في الاقتصار على قول أحدهما .
والوجه الثاني : يأخذ بأثقلهما عليه ، لأن الحق ثقيل .
فهذا ما في تقليد العامي للعالم ، ولم يرده الشافعي رحمه الله بالنبي عن تقليده ، فأما العالم إذا أراد أن يقلد عالما فعلى ضربين :
أحدهما : أن يرد تقليده فيما يفتى به أو يحكم ، فلا يجوز له ذلك ، وجوزه أبو حنيفة ، ولذلك أجاز للعامي القضاء ليستفتي العلماء فيما يحكم به ، وهذا خطأ ، لقوله تعالى : ( فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) [ الأنبياء : 7 ] . فجعل فقد هذا العلم في سؤال أهل الذكر ، لأنه ليس تقليد أحدهما لصاحبه بأولى من تقليد صاحبه له ، كالمبصرين لا يجوز لأحدهما تقليد صاحبه في القبلة .
والضرب الثاني : أن يرد تقليده فيما نزلت به من حادثه ، فإن كان الوقت متسعا لاجتهاده فيها لم يجز تقليد غيره ، وإن ضاق الوقت عن الاجتهاد فيها فقد اختلف أصحابنا هل يجوز تقليد غيره فيها ؟ على وجهين :
أحدهما : وهو قول أبي العباس بن سريج يجوز له تقليد غيره ، ويصير كالعامي في هذه الحادثة لتعذر وصوله إلى الدلالة .
والوجه الثاني : وهو قول أبي إسحاق ، وأبي علي بن أبي هريرة لا يجوز له التقليد ، لأنه قد يتوصل إلى الحكم بطريق النظر بالسؤال عن وجه الدليل فيصل باجتهاده ونظره بعد السؤال والكشف إلى حكم الحادثة من غير تقليد ، فهذا ما في تقليد المجتهد للمجتهد ، وهذا الذي أورده الشافعي بالنهي عن تقليده وتقليد غيره .
الأول : نظر مشاهدة بالبصر .
والثاني : نظر فكر بالقلب ، ومراده هو الفكر بالقلب دون المشاهدة بالبصر كما قال تعالى : ( أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض ) [ الأعراف : 185 ] . يعني أفلم يتفكروا بقلوبهم ليعتبروا في المراد بقوله : ‘ لينظر فيه لدينه ‘ تأويلان على ما مضى .
أحدهما : في العلم . والثاني : في مختصره هذا ، وأما قوله ‘ لدينه ‘ فلأن الفقه علم ديني ، فالناظر فيه ناظر في دينه ، وأما قوله ‘ ويحتاط لنفسه ‘ : أي ليطلب الاحتياط لنفسه بالاجتهاد في المذاهب فترك التقليد بطلب الدلالة . والله أعلم .