پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج1-ص30

والثاني : يعتبر فيه الرضى لأن الإعتقاد غير موصول إليه ، والرضى دليل عليه ، وأما الإجماع عن قول فهو أوكد منه ، لانتفاء الاحتمال عنه ، وليس انقراض العصر شرطا في انعقاده ، وذهب بعض أصحابنا إلى أن انقراض العصر شرط في انعقاده لأن لبعض المجمعين الرجوع كما رجع علي _ رضي الله عنه – في بيع أمهات الأولاد ، لو كان منعقدا لما جاز خلافه ، وهذا خطأ ، لأن الإجماع إنما ينعقد بالنظر والاستدلال ، وذلك مما يبطل بالموت فلم يجز أن يكون انقراض العصر شرطا فيه ، لأن الموت يبطل ما انعقد الإجماع به ، ولأن كل من كان قوله حجة بعد موته كان قوله حجة في حياته كالنبي ( ص ) ، وليس يمتنع أن يكون لبعضهم الرجوع ، وإن كان الإجماع منعقد ، لأن إجماعهم ليس بحجة عليهم ، وإنما هو حجة على من بعدهم .

فصل : الصنف الرابع

فأما الصنف الرابع وهم الصحابة فتقليدهم يختلف على حسب اختلاف أحوالهم فيما قالوه ولهم أربعة أحوال :

أحدها : أن يجمعوا على الشيء قولا ، و يتفقوا لفظا ، فهذا إجماع لا يجوز خلافه ، وتقليدهم فيه واجب ، والمصير إلى قولهم فيه لازم .

والحال الثانية : أن يقول واحد منهم قولا ، وينتشر في جميعهم وهم من بين قائل به ، وساكت على الخلاف فيه فذلك ضربان :

أحدهما : أن يظهر الرضى من الساكت عما ظهر النطق من القائل ، فهذا إجماع لا يجوز خلافه ، لأن ما يدل عليه نطق موجود في رضاء الساكت .

والضرب الثاني : أن لا يظهر من الساكت الرضى ولا الكراهة ، فهو حجة ، لأنهم لو علموا خلافه لم يسعهم الإقرار عليه وهل يكون إجماعا أم لا ؟ على قولين :

أحدهما : يكون إجماعا ، لأنه كان فيهم مخالف لبعثته الدواعي على إظهار خلافه ، لأن كتم الشريعة ينتفي عندهم ، فالقول الثاني لا يكون إجماعا ، قال الشافعي : من نسب إلى ساكت كلاما فقد كذب عليه ، وكان أبو إسحاق المروزي يقول : إن كان ما قاله الواحد فيهم حكما حكم به كان انتشاره فيهم وسكوتهم عن الخلاف فيه إجماعا وإن كان فينا لم يكن إجماعا ، لأن الحكم لم يكن فيهم إلا عن مشورة ومطالعة وبعد نظر ومباحثة ، وإن كان أبو علي بن أبي هريرة يقول بضد هذا ، إن كان فينا إجماعا ، وإن كان حكما لم يكن إجماعا ، لأن الحكم لازم لا يجوز اعتراض الساكتين فيه ، لما فيه من إظهار المباينة والفتيا غير لازمة ، وليس المخالفة فيها مباينة ، وكان السكوت دليلا على رضى وموافقة .