جواهرالکلام فی شرح شرایع الاسلام-ج29-ص429
بالنهي عن مقدماته لقصد المبالغة، ولذا لو قال السيد لعبده: ” أعزم على هذا الامر أولا تعزم عليه ” فهم منه توجه الخطاب بالامر أو النهى عن نفس الفعل دون العزم عليه بخصوصه، على أن الاية قد دلت على تحريم العزم، والمراد منه إما معناه الحقيقي وهو القصد والارادة أو الفعل المعزوم عليه مجازا لكونه ملزوماللعزم، وعلى التقديرين يثبت المطلوب، أما على الثاني فظاهر، وأما على الاول فلان تحريم العزم على النكاح يستلزم تحريم النكاح المعزوم عليه، فانه لو كان جائزا لجاز العزم عليه قطعا، إذ لا حكم للعزم بالنظر إلى ذاته، وإنما يثبت له التحريم والجواز بواسطة ما اضيف إليه من الفعل المعزوم عليه، فان كان محرما فالعزم حرام، وإلا فجائز، بل لا يعقل جواز الفعل مع تحريم العزم عليه، وحيث ثبت تحريم العزم بالاية ثبت تحريم العقد نفسه.
وربما وجه الاستدلال بها بمعلومية عدم إرادة النهي عن العزم نفسه، بل المراد منه النكاح، وذلك لاباحة العزم على النكاح بالاجماع، وبقوله تعالى (1) ” ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء، أو أكننتم في أنفسكم ” فان الاكنان في النفس بمعنى الاضمار فيه، وليس ذلك إلا العزم، مع أن رفع الجناح عن التعريض يستلزم إباحة العزم أيضا، لامتناع حصول التعريض بدونه، وفيه أن المعلوم من إباحة العزم على النكاح إنما هو العزم عليه فيما بعد العدة لا العزم عليه فيها، فانه محرم لكونه عزما على محرم، فالاتفاق على إباحة العزم على النكاح بعد انقضاء العدة لا يقتضى حمل العزم على نفس الفعل، إذ يمكن حملهعلى معناه الحقيقي مع التقييد بالعدة، ومنه يعلم تقييد الاكنان بما بعد العدة، لان العزم على القبيح قبيح، فيمتنع من الحكيم تجويزه، ولان الحكم بالجواز على تقدير استفادته من الاية شرعى، ولا ريب في نفى الجواز الشرعي وإن لم يكن الجواز مستحيلا عند العقل، فان التصريح بجواز العزم على النكاح في العدة مع تحريمه والمنع عنه مما يعد سفها وعبثا، وذلك محال على الله تعالى، ومن ذلك يعلم أن التعريض بالنكاح في العدة إنما يجوز لو كان القصد الى إيقاعه بعدها،
(1) سورة البقرة: 2 – الاية 235.