جواهرالکلام فی شرح شرایع الاسلام-ج29-ص23
القربة وقصد الامتثال إذا كان عبادة، وإما أن يكون تعلق الامر به لمصلحة حاصلة بنفس الماهية والطبيعة من غير توقف على قصد الامتثال وإرادة الطاعة، كالامر بازالة الاخباث عن الثوب والبدن، فان المطلوب منه طهارتهما حال الصلاة وغيرها مما يشترط فيه الطهارة، ولا ريب في حصول هذا الغرض، لتحقق الازالة المعتبرة وإن لم يقصد بها التقرب وإطاعة الامر، بل لو كان غافلا عن النجاسة غير شاعر بها واتفق له إزالتها فانه يمتثل بذلك، ويخرج عن عهدة التكليف، وكالامر بانقاذ الغريق، والاطعام في المخمصة وفي عام الجدب، فان الغرض منه ابقاء النفس المحترمة، وإنقاذها من الهلكة، ولا فرق في ذلك بين تحققه بقصد القربة والاتيان به لرجاء النفع، أو لمجرد الرأفة، أو لغير ذلك من الاغراض، فان الخروج عن العهدة حاصل على جميع تلك الوجوه، ومن هذا القبيل أكثر التروك المطلوبة، فان المقصود منها عدم صدور الافعال القبيحة من المكلف، وإن لم يكن الترك بقصد الامتثال والكف عن الفعل القبيح، فان من ترك الزنا يندفع عنه إثمه وإن كان امتناعه عنه للعجز أو الخوف أو الحياء أو للمحافظة على الحشمة والخوف من الفضيحة،فان ذلك كله من أسباب العصمة ورفع الاثم والعقوبة.
وبالجملة فامتثال الامر في غير العبادات لا يتوقف على قصد الطاعة وإرادة الموافقة للامر، بل انما يتوقف على موافقة الغرض وترتب المصالح المقضية للامر وإن لم يكن شاعرا به، أو كان ولكن فعله لما فيه من الحظوظ النفسانية، نعم صيرورة تلك الامور عبادة وترتب الاجر والثواب عليها موقوف على حصول القربة وقصد الامتثال، وهي من هذا الوجه داخلة في القسم الاول، فان ترتب الاجر والثواب عليها ليس لامتثال الامر الاصلى فيها، لما عرفت من أنه لا يوجب ذلك، بل لامتثال الامر الثانوي، أي الامر بجعلها عبادة وفعلها من حيث إنها مرادة للشارع.
وقد ظهر مما ذكرناه أن استحباب النكاح على القول به غير مختص بالواقع على وجه الامتثال وقصد الطاعة، فان ذلك إنما يتجه لو كان النكاح من العبادات