جواهرالکلام فی شرح شرایع الاسلام-ج27-ص131
قلت: لعله كذلك فيه وفى كل ما جرت العادة به في الودايع التى يمكن دعوىبناء العقد على ذلك، وعلى فهمها من الاطلاق، والامر سهل.
إنما الكلام في الضرورة التى ذكرها المصنف قال في المسالك: ” لو حصل ضرورة الايداع بأن خاف عليها من سرق أو حرق أو نهب أو اراد سفرا وتعذر ردها إلى المالك أو وكيله، دفعها إلى الحاكم، ولا يسمى ذلك إيداعا، فإن تعذر أودعها العدل، وهذا هو الخارج بالقيد، فلا يجوز إيداعها للضرورة ابتداء، بل على الوجه الذى فصلناه، وسيأتى في كلامه التنبيه عليه ” إلى غير ذلك من كلامهم الظاهر في جعل الضرورة عنوانا لجواز الايداع لكن ليس في شئ من النصوص ذلك كى يرجع في مصداقها إلى العرف، وأن السفر للدنيا أو للآخرة أو للنزاهة ونحوها منهما أولا.
ثم إنه مع تعذر الحاكم ينبغى الرجوع إلى عدول المؤمنين القائمين مقامه في الحسب ليكون علم الرد للمالك لا إيداعا للضرورة كما سمعته من المسالك، واحتمال إرادته ذلك من ايداع العدل يدفعه قوله: إن هذا هو الخارج بالقيد إلى آخره، على أنه مع تسليمه قد يناقش بعدم كونه إيداعا عرفا أيضا مع فرض عدم إذن المالك له، ورخصة الشارع له فيه لا تصيره وديعة عرفا، ودعوى حصول الاذن المالك له في هذا الحال واضحة المنع، فليس حينئذ إلا القول بأنه مخاطب بحفظها من جهتين،احديهما من حيث كونه وديعة، والاخرى من حيث أنها مال محترم، فمع فرض الضرورة يتعين عليه ملاحظة الجهة الثانية، فيودعها لذلك، وليس هذا وديعة إصطلاحا، إذ هي استنابة من المالك في الحفظ، وإنما هو وضع منه لحفظها، في يد غيره لان له ولاية عليها بالنسبة إلى حفظها وإن لم يكن له ولاية على مالكها.
فاستثناء الضرورة حينئذ من عدم جواز الايداع بهذا المعنى، لاأن المراد جواز الايداع من حيث كونه وديعة، لكن حال الضرورة على معنى صيرورة الايداع حالها من أفراد الحفظ الذى قد استفيد الاذن فيها من عقد الوديعة، فتأمل جيدا فانه يترتب على ذلك ثمرات.