جواهرالکلام فی شرح شرایع الاسلام-ج26-ص53
بل يمكن ان يقال: إن صرفه في العنب بأن يعمل خمرا، وفي الخشب بان يعمل صنما ونحو ذلك صرف في المحرم، فيكون فاعله سفيها لا تجوز معاملته ومناكحته، مع أنهم جوزوا ذلك وقالوا بكراهتها، ولا شك أن صرفه ولو كان قليلا من الاطعام للربا والسمعة وغير ذلك من الاغراض الغير الصحيحة شرعا حرام، فيكون موجبا للسفه، ومن الذي يخلو عنه من ارباب الاموال فيلزم عدم جواز أخذ العطية بل الزكاة والخمس منهم فتأمل.
وبالجملة فالتنزه عنه متعسر جدا، فإنه لو لم يعامل السفيه، فإنه يعامل من يعامله، ويصعب ذلك ايضا أنهم قالوا أن الرشد شرط، فلابد من تحققه، ليعمل بالمشروط، فمن جاء إلى سوق كيف يعرف ذلك، بل كيف يعرف حصول الرشد الابتدائي الذي هو شرط بالاجماع، فالظاهر انهم يبنون على الظاهر، ويتركون الاصل، فإن حال الانسان أنه لم يفعل حراما، ولا يصرف ماله فيه.
ولعل هذا المقدار كاف للعلم بالرشد المطلوب في جواز المعاملة والمناكحة، ولهذا ما نقل الامتناع والتفحص عنهم، ولا عن أحد من العلماء المتدينين، ويكون الاختبار الابتدائي لتسليم المال للنص والاجماع.
وفيه أن ذلك لا يجدي في المعلوم حالهم، كالحكام وغيرهم ومن هنا التجأ بعضهم إلى الجواب بان السفيه لا تجوز تصرفاته بعد الحجر عليه لا قبله، وليس السفه بنفسه موجبا للمنع، وهو ايضا مناف لاطلاق النص والفتوى، بل وقوله (1) ” ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ” وغيره فالتحقيق ما عرفته من ان المناط في تحققه وصدقه العرف، ولا ريب في عدمه عرفا في جميع ما ذكره، ضرورة اختلاف اصناف الناس فقد يليق بالسلطان ما لا يليق بغيره، ولا يعد به سفيها، وإن كان صرفه في محرم كما هو واضح.
وقد عرفت ان السيرة القطعية على معاملة مجهول الحال، عملا بظاهر الحال، واصل الصحة وغير ذلك، وحيث عرفت ان المدار في السفه والرشد على العرف، فقد
(1) سورة النساء الاية – 5 -.