جواهرالکلام فی شرح شرایع الاسلام-ج14-ص199
البصر متقاربان، ولذا كان ظاهر المتن التخيير في الاعتبار بكل منهما، وما في المدارك من أن ظاهره التوقف في المعنى الاول حيث نسبه إلى الشهرة وذكر الآخر جازما به ليس في محله، بل ظاهره التخيير بقرينة لفظ التعويل، بل لعل تقديمه مشعر بترجيحه على الاخير كما اعترف به في التنقيح، لتقدم العرف على اللغة عند التعارض، والشهرة هنا بناء على أن المراد منها غير الشهرة الفتوائية صالحة لاثبات ما نحن فيه، لكونه من الموضوعات، فنسبة ذلك إليها لبيان مدرك الحكم لا للتوقف فيه كما حكاه في الرياض عن بعض مشايخه.
مع أنه ربما يدل عليه مضافا إلى الشهرة وغيرها مما عرفت، ومناسبته للتحديداللغوي بمد البصر، ولتقدير المسافة بمسيرة اليوم أيضا – ما حكي عن القاموس (من أن الميل قدر مد البصر، أو منار يبنى للمسافر، أو مسافة من الارض متراخية بلا حد أو مائة الف إصبع إلا أربعة آلاف إصبع، أو ثلاثة أو أربعة آلاف ذراع بحسب اختلافهم في الفرسخ هل هو تسعة آلاف بذراع القدماء أو إثنى عشر الفا بذراع المحدثين) إلى آخره.
إذ من الواضح انطباقه على ما ذكره من المائة الف إصبع إلا أربعة آلاف، ومنه يظهر أنه لاوجه لذكره الاربعة آلاف ذراع يعني مقابلا للمائة الف إصبع إلا أربعة آلاف، بل الظاهر رجوع التقدير بالثلاثة آلاف ذراع إليه أيضا كما نبه عليه الفيومي في مصباحه، قال هو على ما يقتضيه ما حضرني من نسخته أو حاكيا له عن الازهري على ما عن أخرى: (والميل عند القدماء من أهل الهيئة ثلاثة آلاف ذراع، وعند المحدثين أربعة آلاف ذراع، والخلاف لفظي فانهم اتفقوا على أن مقداره ستة وتسعون الف إصبع، والاصبع ستة شعيرات بضم بطن كل واحدة للاخرى ولكن القدماء يقولون: الذراع اثنتان وثلاثون إصبعا، والمحدثون أربع وعشرون إصبعا، فإذا قسم الميل على رأي القدماء كل ذراع اثنتين وثلاثين كان المتحصل