جواهرالکلام فی شرح شرایع الاسلام-ج7-ص199
من يشاء، وجائزة موفرة يخص بها من أخلص في الدعاء، وكم من عبادة فيه هبت عليها نسمات القبول، ودعوة من ذي طلبة مشفوعة ببلوغ المأمول، ومشكل من مسائل اتضح بمصابيح الهداية، وعويص من المطالب افتتح بمفاتيح العناية، فهو وقت للعلماء والعاملين والعرفاء والمتعبدين، والسعيد من سعد باحياء هذا الوقت الشريف، واستدر به اخلاف الكرم من الجواد اللطيف، وجاء في جنبه للقيام بين يدي الجبار، وواظب فيه على الانابة والاستغفار مما اجترح في آناء الليل والنهار، وقد وقع الالتباس لكثير من الناس في هذا الوقت، فمنهم من توسع فيه حتى أتى باعماله بعد العشاء متى شاء، أو تربص بها حتى مضى نصف الليل أو ثلثاه بلا مستند من الشرع ولا شاهد من اللغة أو العرف، ومن حق العمل الموقت واجبا كان أو مندوبا مراعاة وقته المقدر له شرعا، فإن ترك العمل من أصله اهون من الاتيان به في غير وقته، لمشاركته الترك في ترك المأمور به وزيادته عليه بالتشريع في تقديمه أو تأخيره.
من أحد طرفيه وهو الآخر معلوم، لاتصاله بالفجر باجماع العلماءوأما طرفه الآخر وهو الاول المخالط لدجى الليل فربما اكتسى ثوب الاجمال، لعدم وقوع التصريح به من اكثر اللغويين والادباء كما قيل، غير ان المعلوم من كلماتهم ومن محاورات اهل العرف وتتبع الاستعمالات الواردة بطلان ما ظن من التوسعة، ولعل اوسع ما قيل في معناه ما عن جامع الشيخ الثقة ابي علي الطبرسي وكشاف رئيس علماء اللغة والبلاغة جار الله الزمخشري وابي حامد الغزالي واحياء الفاضل القاساني السدس الاخير من الليل، بل قال بعض المتبحرين: (اني لم اجد لاحد من المعتبرين تحديده بالاكثر من ذلك، بل ظاهر الاكثر انه اقل منه، كما انه ربما يقاربه أو ينطبق عليه قول البعض: أما الزيادة فلا) وكأنه أراد بقول البعض تفسيره بآخر الليل كما في مجمع البحار، أو بقبيل الصبح كما في المجمل والصحاح، أو قبله من دون تصغير كما في