ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص326
فقد تحصل ممّا ذكرناه أنّ ما عن المحقق الإيرواني «ره» من أن الأراضي المفتوحة عنوة كسائر الأراضي ملك للإمام (ع)، وانّما يكون
للمسلمين الإنتفاع بها ـ لا يمكن المساعدة عليه. نعم الأراضي ـ التي استولى عليها المسلمون بغير قتال، أو صالح أهل تلك الأراضي
على كونها للإمام ـ تختص به (ع)، كما تدلّ عليه صحيحة حفص، وقريب منها غيرها، كرواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال:
«سمعته يقول: الفيء والأنفال ما كان من أرض لم يكن فيه إراقة الدماء، وقوم صالحوا وأعطوا بأيديهم، وما كان من أرض خربة أو بطون أودية،
فهو كله من الفي، فهذا للّه لرسوله، فما كان للّه فهو لرسوله يضعه حيث يشاء وهو للإمام بعده»(358) رواها الشيخ بسنده إلى علي
بن الحسن بن فضال، وفي سنده إليه ضعف، لوقوع علي بن محمد بن الزبير فيه. وقد ذكرنا سابقاً أنّ تجويز الإمام (ع) العمل
بكتب بني فضال ـ على تقديره ـ لا يقتضي اعتبار كل خبر ثبت نقله عنها، ولو لم يثبت أو لم يكن رواتها بثقات، وإنّما
يقتضي أنّ فساد اعتقادهم لا يضر بجواز العمل برواياتهم فيما إذا حصل سائر شروط العمل بالخبر الواحد.
والحاصل أنّ الرواية صالحة للتأييد فقط، ويلحق بالأراضي المفتوحة عنوة الأراضي التي صولح عليها، على أن تكون للمسلمين،
كما هو مقتضى صحة الصلح ونفوذه، ولو صالحوا الكفار على بقاء اراضيهم في ملكهم جاز، وتكون ـ كالأراضي التي أسلم أهلها طوعاً
ورغبة ـ باقية في ملك أربابها، كما يدلّ على ذلك ـ مضافاً إلى كونه مقتضى نفوذ الصلح ـ صحيحة البزنطي، قال: «ذكرت لأبي
الحسن (ع) الخراج وما ساربه أهل بيته، فقال العشر فيما عمر منها. وما لم يعمر منها، أخذه الوالي فقبله ممّن يعمره، وكان للمسلمين،
وليس فيما كان أقل من خمسة أو ساق شيء. وأمّا ما أخذ بالسيف فذلك لي الإمام يقبله بالذي يرى، كما صنع رسول اللّه (ع) بخيبر،
قبل أرضها ونخلها“»(359).
ظاهر قوله (ع) فذلك إلى الإمام أنّ له الولاية في التصرف فيها، لا أنّه ملكه، فانّه فرق بين التعبير بأنّه إلى الإمام أو أنّه للإمام
(ع)، والأول لا ينافي ما تقدم من أنّ المأخوذ عنوة ملك المسلمين، فانّه يكون ملكهم مع ثبوت الولاية للإمام (ع). نعم ما ذكر في
الصحيحة ـ من أنّ الميتة من الأراضي التي أسلم أهلها طوعاً ملك المسلمين ـ ينافي ما تقدم من كون الأراضي الميتة من الأنفال،
فلابدّ من حمل المذكور فيها على التقية كما قيل، أو حمل اللام على غير افادة الملك من سائر الإنتفاعات. هذه أقسام الأرضين في
كونها ملكاً لأربابها أو للإمام (ع) أو للمسلمين.
[1] يثبت الفتح عنوة وكذا الصلح على كون الارض للمسلمين بالشياع المفيد للعلم، وبشهادة العدليلن، ولو كانت من قبيل
الشهادة على الشهادة، وبالشياع المفيد للظنّ المتأخم للعلم المعبر عنه بالإطمئنان. وذكر المصنف «ره» أنّ الإكتفاء بالشياع كذلك
مبني على اعتباره في كل مورد تكون اقامة البينة فيه عسرة، كنسب شخص أو كون مال وقفاً أو ملكاً مطلقاً لا يتعلق به حق
للآخرين، ككونه رهناً أو وقفاً.