ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص299
وذكر بعض الأساطين ـ وهو كاشف الغطاء على ما قيل ـ أن بدل متلفاته غصباً من المثل والقيمة وإن كان ديناً حقيقة، نظير سائر ما
عليه من الديون، إلاّ أنّه لا يجري بعد موت الجائر على ذلك البدل حكم الدين، بأن يكون خارجاً عن التركة قبل الوصايا والميراث،
وذلك لأمرين: (أحدهما) انصراف الدين عنه في مثل قوله عزّ من قائل: «من بعد وصية يوصى بها أو دين»(340) و(ثانيهما) السيرة الجارية
إلى يومنا هذا من عدم المعاملة مع ذلك البدل معاملة الدين، وعلى ذلك فلو أوصى الجائر بإخراجه كان كسائر وصاياه محسوباً من الثلث.
وفيه أنّه لا وجه لدعوى الإنصراف، فإنّا لم نجد فرقاً بين الثابت على ذمته بدلاً عما اتلفه نسياناً أو غفلة من مال الغير،
وبين ما اتلفه عدواناً، بأن يعم الأول، الدين في مثل قوله سبحانه، ولا يعم الثاني، وكذا لا نجد فرقاً بين ما يتلفه الجائر عدواناً
وما يتلفه شخص آخر، ولو كان الدين منصرفاً عنه لما جرى على البدل حكم الدين، حتى حال حياة الجائر، فانّ انصراف الدين، لا
يختص بآية الإرث، مع أنّه لا ينبغي الريب في جريان أحكام الدين عليه حال حياته، كجواز التقاص عن البدل، كما يدل على ذلك
موثقة داود بن زربي (رزين)، قال: «قلت لأبي الحسن موسى (ع) أنّي أخالط السلطان، فتكون عندي الجارية والدابة الفارهة، فيبعثون
فيأخذونها، ثمّ يقع لهم عندي المال، فلي أن آخذه؟ قال: خذ مثل ذلك ولا تزد عليه»(341) فانّ الحكم فيها بالأخذ من غير استفصال عن
بقاء العين التي أخذها الجائر أو أتلفها مقتضاه شمول الحكم لكلتا الحالتين، وكعدم تعلق الخمس بمازاد عن مؤنة سنته، فيما إذا كان
البدل بمقدار الزائد عليها، وعدم حصول الاستطاعة للحج، فيما إذا كان البدل مساوياً لما عنده من المال الكافي لمصارف حجه، إلى غير
ذلك.
وأمّا ما ذكره من السيرة، فلم يحرز أنّها من المتشرعة المبالين للشرع الملتزمين به، والسيرة من غير المبالين لا قيمة لها. ويشهد
لكونها من غير المبالين أنّا لم نجد فرقاً عندهم بين البدل المزبور وبين الثابت على ذمته بسائر موجبات الضمان، كما أنّهم لا
يفرقون في المظالم الثابتة عليه بين عرفان المظلومين تفصيلاً أو إجمالاً. ومن تتبع أحوال الظلمة وتوريث أموالهم التي قد لا
تكفي لأداء تلك المظالم المجتمعة عليهم طيلة حياتهم يعرف ذلك.