ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص289
ومن العمدة في الباب معتبرة يونس المتقدمة المؤيدة ببعض الأخبار الوارد فيها الأمر بالتصدق كرواية علي بن أبي حمزة المتقدمة،
وبها يرفع اليد عن إطلاق الأمر بالطلب في صحيحة معاوية بن وهب الآمر بطلب المالك، بأن يحمل وجوب الطلب على صورة عدم اليأس
عن المالك، فلا تنافي وجوب التصدق بعد ذلك.
وذكر المصنف «ره» تأييد الحكم بالأمر بالتصدق بما يجتمع عند الصياغين وقد ورد ذلك الأمر في روايتين لعلي بن ميمون
الصائغ، قال: «سألت أبا عبداللّه (ع) عما يكنس من التراب فأبيعه فما أصنع به؟ قال: تصدق به، فامّا لك وامّا لأهله، قلت: فإن
فيه ذهباً وفضة وحديداً، فبأيّ شيء أبيعه؟ قال بعه بطعام، قلت: فإن كان لي قرابة محتاج أعطيه منه؟ قال: نعم»(330) وفي
الأخرى، قال: «سألته عن تراب الصواغين وأنا نبيعه قال: أمّا تستطيع أن تستحله من صاحبه؟ قال: قلت لا، إذا أخبرته اتهمني، قال:
بعه، قلت بأي شيء نبيعه، قال بطعام، قلت: فأي شيء أصنع به؟ قال تصدق به، أمّا لك وإمّا لأهله، قلت: إن كان ذا قرابة محتاجاً
أصله، قال: نعم»(331).
ولكنّهما ضعيفتان سنداً: ودلالة أمّا سنداً، لعدم ثبوت وثاقة علي بن ميمون الصائغ، نعم ذكر الكشي رواية في مدحه، الا أنّ
راويها نفس علي بن ميمون، ولا يصح اثبات وثاقة شخص أو مدحه برواية نفسه، وأمّا دلالة، فلأنّ التصدق في الروايتين
استحبابي فكيف تصلحان للتأييد، والوجه في كونه استحبابياً انّ المفروض فيها ملك للصائغ كلا أو بعضاً، فلا يجب
عليه التصدق بماله. واحتمال كون التصدق واجباً بالإضافة إلى حصة الآخرين فقط خروج عن ظاهرهما، فإنّ ظاهرهما كون جميع المال
محكوماً بالتصدق به.
ثمّ إنّ في الرواية الثانية شبهة أخرى، وهي سقوط احترام مال الغير وجواز التصدق به بمجرد كون إيصاله إليه أو الاستحلال منه مورد
التهمة. وهذا لا يمكن الإلتزام به. وبرواية أبي علي ابن راشد، قال: «سألت أبا الحسن (ع)، قلت: جعلت فداك اشتريت أرضاً إلى جنب
ضيعتي بالفي درهم، فلما وفرت المال خبرت أنّ الأرض وقف، فقال: لا يجوز شراء الوقف ولا تدخل الغلة في ملكك، إدفعها إلى من
أوقفت عليه، قلت: لا أعرف لها رباً، قال: تصدق بغلتها»(332).