ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص283
(أقول) الظاهر الفرق بين المثالين وبين المقام، وأنّه لابدّ من الإلتزام بارتفاع الضمان في المقام دونهما، فإن وضع اليد فيهما
على مال الغير حرام بحسب الواقع فعلاً أو ملاكاً، كما هو المقرر في مسألة التوسط في الأرض المغضوبة والندم بعده، فانّه بالندم
وإرادة الخروج، لا يكون التوسط فيها بالخروج حلالاً، بل هو حرام ملاكاً ولو بحسب الواقع، بخلاف المقام فإن أخذ المال من الجائر
بقصد الردّ إلى مالكه باعتبار كونه إنقاذاً لذلك المال حلال واقعاً، فإن كان قصد الردّ من الأول يكون المال في يد الآخذ أمانة شرعية
من الأول، ولا ضمان فيها لقوله سبحانه: «وما على المحسنين من سبيل» وإن كان قصد الرد بعد العلم بالحال كان الإمساك بذلك المال إلى
رده إلى مالكه حلالاً واقعاً، من حين القصد كما تكون يده عليه أمانة شرعية وبما أنّ عموم على اليد مخصص في موارد الأمانة المالكية أو
الشرعية، سواء كان المال أمانة من الأول أو في الأثناء، فلا مجال للاخذ به، ولذا لا أظن أن يلتزم أحد بالضمان، فيما إذا أعلن المالك بأنّ من
كان ماله بيده فليمسك به إلى ردّه إليه، وإذا كان هذا حال إذن المالك كان إذن الشارع واقعاً كذلك. وقوله سبحانه: «وما على المحسنين من
سبيل» ينفي الضمان لا أنّه لا يثبته حتى لا يكون منافياً لاثبات الضمان باليد حين حدوثها.
وممّا ذكرنا ظهر الفرق بين المقام وبين ما وضع يده على مال الغير عدواناً، ثم خرج من يده بعد وان شخص آخر، وتلف في يد ذلك
الآخر، فانّ للمالك الرجوع إلى كل منهما، ووجه الظهور أنّ اليد الحادثة توجب الضمان، وخروج المال عن يده بعد ذلك لا يمنع الضمان،
بخلاف المقام، حيث إنّ طرؤ الأمانة على اليد يقتضي عدم ضمانه، كما لا يخفى أيضاً الفرق بين المقام وبين فرض اشتراء المتاع،
ثم ظهور كونه غصباً في مسألة تعاقب الأيدي، حيث إنّه لم يفرض فيها كون أخذ ذلك المال من البايع الفضولي إنقاذاً لذلك المال
عن التلف، ولذا يكون أخذه أو إمساكه محرماً واقعاً، وكانت الحلية ظاهرية، بخلاف المقام، فان إمساكه مع قصد الرد حلال واقعاً، كما مرّ.
ثمّ إنّه على تقدير تسليم عموم على اليد للمقام ومعارضته بقوله سبحانه: «وما على المحسنين من سبيل» تصل النوبة بعد
سقوط الاطلاق من الجانبين إلى أصالة البراءة عن الضمان، لعدم المجال للاستصحاب في الشبهات الحكمية. هذا مع الإغماض عن أنّ حديث
على اليد ضعيف سنداً، فلا يصلح للاعتماد عليه، والعمدة في ضمان التلف في اليد، هي السيرة العقلائية التي لم تحرز ثبوتها
في مثل المقام.
[1] ذكر «ره» الأحكام المترتبة على المأخوذ في الصورة الثالثة، منها وجوب رده إلى مالكه فوراً، وذلك فانّ المقدار الزائد على
المتعارف في الإمساك تصرف لم يعلم رضا مالكه به، والشارع قد أذن في إمساكه بعنوان الإحسان إلى مالكه بإنقاذه كما تقدم. والزائد
على المتعارف لا يكون إحساناً إليه ولا دخيلاً في إنقاذ ماله.
و(منها) أنّ الواجب في الرد وجوب الاقباض، ويحتمل كفاية التخلية بين المال ومالكه.