پایگاه تخصصی فقه هنر

ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص273

ثمّ إنّه قد صرح جماعة بكراهة أخذ الجائزة من الجائر، وعن العلامة الاستدلال عليها باحتمال كونها حراماً في الواقع، وللنهي عن ارتكاب

المشتبه في مثل قولهم: (دع ما يريبك) وللترغيب في تركها في مثل قولهم: (من ترك الشبهات نجى من المحرمات) وبعضهم زاد على هذا
الاستدلال وجوهاً.

(منها) أنّ أخذ المال من الجائر وعماله سبب لمحبتهم، فانّ القلوب مجبولة على حبّ من أحسن إليها.

و(منها) أنّه تترتب على أخذ المال من الجائر أو عماله مفاسد لا تخفى، كما يفصح عن ذلك ما في صحيحة أبي بصير من قوله (ع): «إنّ

أحدكم لا يصيب من دنياهم شيئاً إلاّ أصابوا من دينه مثله»(312).

و(منها) رواية عبداللّه بن الفضل عن أبيه عن الكاظم موسى بن جعفر سلام اللّه عليه: «واللّه لولا أنّي أرى من ازوجه بها من عزاب

بني أبي طالب لئلاّ ينقطع نسله ما قبلتها أبداً»(313) فانّها ظاهرة في مرجوحية أخذ المال لولا الجهة المذكورة.

ولكن لا يصلح شيء من ذلك لاثبات الكراهة، وذلك فانّ ظاهر أخبار الاحتياط والتوقف في الشبهات هو الإرشاد إلى موافقة التكاليف

الواقعية، والترغيب في إدراك ثواب طاعتها، والتحرز عن محذور مخالفتها. وهذا لا يختص بخصوص الجائزة، بل يعم كل الشبهات حتى
المال المأخوذ من العدول. وأمّا أنّ أخذ المال من الجائر يوجب حبه فليس كذلك، فانّ بين المحبة لهم وأخذ المال منهم العموم من وجه، فقد
يأخذه عوضاً عن متاعه في معاملة اضطر إليها. وأمّا ترتب المفسدة فلا شهادة له في صحيحة أبي بصير، فانّها ناظرة إلى اعانة
الظالم، وكون الشخص من أعوان الظلمة على ما تقدم سابقاً.

ورواية قبول الإمام (ع) هدية هرون، لا يمكن الاعتماد عليها، لضعفها سنداً ودلالة، فانّها واردة في مورد خاص، فلعل المال المفروض كان

من المجهول مالكه، ومورده التصدق به عن مالكه، ولو لم يكن صرف ذلك المال في تزويج عزاب بني أبي طالب بعنوان الصدقة عن مالكه،
لم يكن يأخذه الإمام (ع)، ومثل هذا لا يرتبط بالمقام.

والوجوه التي زادوها على استدلال العلامة مقتضاها ـ على تقدير تماميتها ـ كراهة الأخذ حتى مع إحراز كون المال ملك الجائر واقعاً، كما

أنّ ما ذكره العلامة مقتضاه كراهة الأخذ حتى مع إحراز كون المال ملك الجائر واقعاً، وكراهة الأخذ والتصرف في مطلق المال المشتبه من دون
خصوصية للمأخوذ من الجائر.