ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص264
هذا ويمكن أن يقال بعدم تعارف أخذ الأجرة على تحمل الشهادة أو أدائها، وليس لهما مالية، فيكون أخذها من أكل المال بالباطل. نعم لو توقف
التحمل أو الأداء على بذل المال لقطع المسافة ونحوه، لم يجب البذل من كيسه، والوجه في ذلك: أنّ مقتضى قاعدة نفي الضرر عدم وجوب
التحمل أو الأداء في الفرض، حتّى فيما إذا قال المشهور له: اصرف المال وعلي تداركه، فإنّ مجرد التزامه بالعوض لا يوجب انتفاء
الضرر، حيث أنه ربما لا يصل إليه العوض، لعدم وفاء المشهود له بالتزامه.
[1] ذكر جماعة من الأصحاب في الواجبات والمستحبات التي لا يجوز أخذ الأجرة عليها أنه يجوز ارتزاق مؤدّيهما من بيت المال، وليس
المراد أخذ الأجرة والعوض من بيت المال على عملهم، فإنه لا فرق في عدم الجواز بين الأخذ من بيت المال أو من غيره، بل يكون إعطاء
العوض من بيت المال، باعتبار عدم كونه ملكاً شخصياً للمعطى، أولى بعدم الجواز، فليكن مرادهم أنه إذا قام المكلف بتلك الأعمال
التي لا يمكنه ـ مع القيام بها ـ الكسب المناسب، فيقرر له من بيت المال ما يكفيه من مؤنة نفسه وعياله مع فقره، زاد على أجرة عمله أم
نقص بعنوان المساعدة، وأما مع غناه، فإن ذلك كان ذلك العمل واجباً عليه، فلا يجوز لولي المسلمين الإعطاء من بيت المال، فإنّ عدالة
القاضي تمنعه عن ترك القضاء الواجب عليه، فيكون إعطاؤه مع غناه من إتلاف بيت المال. وهذا بخلاف البذل لمثل المؤذن والإمام الراتب
ممن يقوم بالمستحبات، فإنه يجوز فيما إذا كان تركه موجباً لترك الأذان والإمامة ونحوهما، ولا يكون من إتلاف بيت المال بلا جهة، بل
القاضي فيما إذا أراد الارتحال من البلد إلى الآخر للقضاء في ذلك البلد، وكانت الحاجة إليه في البلد أشد، فإنه لا بأس بالبذل له،
فإنه من صرف بيت المال في سبيل صلاح المسلمين.