ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص248
وإن أراد أنّ الموجود خارجاً شيء واحد، غاية الأمر أنّ فيه جهتان وعنوانان (احدهما) متعلق الاجارة ولم يؤخذ فيه قصد القربة (ثانيهما) ما
أخذ فيه قصدها، ولكن لم تتعلق به الاجارة، كما يظهر ذلك من قوله فيما بعد: (فإن قلت): الموجود خارجاً من الأجير ليس إلاّ الصلاة)
فلا يمكن المساعدة عليه أمّا (أولاً) فلا انّ استيجار على العبادة صحيح حتى فيما إذا لم يقصد الأجير النيابة بالمعنى المتقدم،
كمن يقضى ما على الميت ويأتي بالعبادة افراغاً لذمته، وإن شئت قلت قضاء ما على ذمة الغير من العبادة كقضاء ما على ذمته من
الدين، وكما أن أداء دينه لا يتوقف على قصد النيابة عنه، كذلك أداء ما على ذمته من العبادة وأمّا (ثانياً): فلأنّ تعدد العنوان مع
الاتحاد بحسب الوجود لا يفيد في رفع المنافاة الموهومة بين أخذ الأجرة على العمل والاخلاص فيه، وذلك فانّ المطلوب في العبادات
والغرض منها لا يحصل إلاّ بكون الداعي إلى ايجادها أمر الشارع وطلبه، فلابد من تحقق العبادة بداعي أمر الشارع بها، وإذا فرض الاتحاد
خارجاً فكيف يكون ذلك الوجود مع أخذ الأجرة عليه بداعى القربة.
[1] وهذا جواب آخر عن الاستدلال على عدم جواز أخذ الأجرة على الواجبات، باعتبار أنّ أخذها مناف لقصد التقرب المعتبر في العبادة.
وحاصل الجواب عدم المنافاة بينهما، فانّه يمكن أن يكون داعي المكلف إلى العبادة أمر الشارع بها، بحيث لولا أمر الشارع وطلبه لم يأت
بها، حتى مع بذل الأجرة عليها، وإذا فرض الاتيان بها كذلك يحصل قصد التقرب ويستحق الأجرة عليها، فأين المنافاة.
وناقش «ره» في هذا الجواب بقوله: (قلت: الكلام في أنّ مورد الاجارة) وحاصله أنّه يعتبر في صحة الاجارة ـ أي في دخول الأجرة في ملك
الأجير بإزاء العمل المستأجر عليه ـ أن يكون العمل بحيث يمكن للأجير الاتيان بداعي أنّه ملك المستأجر، فانّ العمل كذلك تسليم
لذلك العمل إليه، ولا يتحقق هذا الشرط فيما استوجر على العبادة، لأنّ الصلاة على ميت مثلاً بداعي أنّها ملك لباذل الأجرة لا
تجتمع مع الاتيان بها بداعي أمر الشارع بها.
(أقول): ليس في البين ما يقتضي هذا الاعتبار في نفس الاجارة، بل القصد المزبور دخيل في حصول عنوان الوفاء بالمعاملة، ولكن
لا بخصوصه، بل بنحو يعم كون قصد الوفاء بها داعياً أو توصيفاً للعمل، بأن يقصد الأجير العمل المملوك للغير، ويأتي به
بداع آخر. وبعبارة أخرى لا يلزم أن يكون قصد الوفاء بالمعاملة محركاً نحو العمل، بل يكفي كونه بنحو التوصيف، وعلى ذلك
فيمكن للمكلف قصد العمل المملوك للغير بداعي أمر الشارع بذلك العمل ابتداءاً. نعم لقائل أن يقول أنّ مع فرض حصول الشيء
بدون الاجارة ـ كما هو مقتضي عمل المكلف بداعي الأمر به ابتداءاً ـ يكون أخذ العوض عليه من أكل المال بالباطل، باعتبار عدم غرض
عقلائي في أخذه واعطائه، وهذا غير دعوى منافاة أخذ العوض مع التقرب كما لا يخفى، وسيأتي التعرض لذلك إنشاء اللّه تعالى.