ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص235
وفي معتبرة مسعدة بن صدقة قال: «قلت لأبي عبداللّه (ع): أنّ الناس يروون أنّ علياً قال على منبر الكوفة أيها الناس إنّكم
ستدعون إلى سبي فسبّوني، ثم تدعون إلى البراءة منّي، فلا تبرأوا منّي، فقال ما أكثر ما يكذب الناس على علي (ع)، ثم قال:
إنّما قال إنّكم ستدعون إلى السبي فسبوني ثم تدعون إلى البراءة منّي وإني لعلى دين محمد ولم يقل ولا تبرأؤا منّي، فقال له
السائل: أرأيات إن اختار القتل دون البراءة فقال: واللّه ما ذلك عليه وما له إلاّ ما مضى عليه عمار بن ياسر، حيث اكرهه أهل مكة“»(287)
حيث لم يقيد (ع) جواز السب والتبري بخصوص ما كان الضرر المخوف على تركها هو القتل.
ولا يخفى أنّ مثل هذه المعتبرة حاكمة على بعض ما ورد في نهيه (ع) عن التبري منه، لأنه مع شمول دليل الاعتبار لهذه الرواية لا
يبقى موضوع لدليل الاعتبار في تلك الروايات الوارد فيها النهي عن التبري من علي (ع)، حيث يعلم بعدم صدورها عنه (ع) وكونها
كذباً.
(أقول): لا بأس بالتمسك بحديث رفع الاكراه أو نفي الضرر في الحكم بجواز تكذيب النبي والوقيعة فيه عند الاكراه، حيث إنّ
رفع حرمته عند الاكراه عليه لا ينافي امتنان على الأُمة، ولا يكون اضراراً بهم، وجوازه عند الاكراه مستفاد من الآية قبل الحديث، بل
يستفاد ممّا ورد في جواز الافتاء تقية، فانّه في معنى تجويز الافتراء على اللّه سبحانه في تلك الحال، وممّا ورد في جواز
الكذب والحلف باللّه كاذباً لدفع الضرر عنه أو عن غيره من المؤمنين، وكذا لا بأس بدفع الضرر عن نفسه أو عن غيره بالكذب على
الآخرين أيضاً، فانّه لا يزيد على الكذب والافتراء على اللّه وعلى سب الإمام والتبري منه. وقد تقدم دلالة معتبرة مسعدة ونحوها
على جواز السب أو التبري. وأمّا الاضرار بالغير بنحو آخر كالتعرض لعرض شخص بالزنا مع زوجته أو بنته أو نحوه لدفع الضرر
المالي أو العرضي عن نفسه أو الاضرار بالغير ما لا لدفع الضرر المالي عن نفسه، كل ذلك لا دليل على جوازه، بل لابد من ملاحظة
التزاحم ورعاية جانب الأهمية أو محتملها.
ولو اضطر إلى نهب مال الغير للتحفظ على نفسه من الهلاك أو القتل، فانّه يجوز، للتزاحم. ولكن يكون ضامناً لذلك المال، لعدم
حكومة حديث رفع الاضطرار أو الاكراه في المقام، حتى يرفع الضمان أيضاً. ويترتب على كون هذه الموارد من التزاحم أنّه لو اضطر إلى
أكل طعام الغير لا يجوز قهر المالك فيما إذا كان المالك أيضاً مضطراً إليه، بخلاف ما إذا قيل بحكومة حديث دفع الاضطرار ونفي
الضرر، اللّهمّ إلاّ أن يدعى استفادة عدم جواز القهر ممّا ورد في عدم مشروعية التقية باراقة دم الغير، فانّ القهر على المالك في
الفرض اراقة لدمه كما لا يخفى.