ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص230
(أقول) استفادة الجواز من دليل حرمة التولي ليس من جهة استعمال النهي في الالزام والترخيص، بل برفع اليد عن اطلاق النهي
وتقييد بصورة عدم القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما أنّ استفادة الجواز من دليل وجوب الأمر بالمعروف بتقييده بما إذا
لم يكن في البين محذور التولي من الجائر، وأين هذا من استعمال النهي أو الأمر في الالزام والترخيص.
(الرابع) أنّ ما دلّ على استحباب التولي وايصال النفع إلى المؤمنين والدفع عنهم أخص مطلق بالاضافة إلى ما دلّ على حرمة الدخول
في ولايتهم، فيرفع اليد به عن اطلاق دليل التحريم، ويلاحظ دليل الترخيص مع أدلة وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومن
الظاهر أنّ دليل استحباب التولي يثبت الاستحباب بما هو هو، فلا ينافي وجوبه مقدمة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما هو
الحال في سائر المستحبات التي قد تقع مقدمة للواجب.
وبعبارة أخرى ما دلّ على حرمة التولي مخصص في صورة نفع المؤمنين، فلا يشمل ذلك الدليل صورة الدخول في ولايتهم والقيام
بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو غيرهما من مصالح المسلمين. وعلى ذلك فيعم الفرض ما دلّ على وجوب الامر بالمعروف والنهي عن
المنكر، على ما هو المقرر في بحث انقلاب النسبة.
(أقول) هذا الوجه الأخير هو الصحيح في تقديم ما دلّ على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا لأنّ المقام من المتعارضين
بالعموم من وجه، بل لأنّ المقام ـ مع قطع النظر عن هذا الوجه ـ من موارد التزاحم، وأنّ ما دل على تحريم التولي موجب لانتفاء القدرة على
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلاّ أنّ مع ورد التخصيص لادلة حرمة التولي في صورة نفع المؤمنين لا يكون في البين تزاحم،
حيث إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من نفع المؤمنين أو أولى منه.
ثمّ إنّه لا يختص جواز التولي عن الجائر بالجائرين في ذلك الزمان، بل يعم الجائرين في كل زمان، فانّه ـ مع بعد الاختصاص،
لجريان مصلحة الدفع عن المؤمنين وايصال النفع إليهم في جميع الأعصار ـ يقتضيه اطلاق صحيحة زيد الشحام المتقدمة فلاحظ.
ثمّ إنّه يظهر من بعض الأخبار جواز التولي والدخول في أعوان الظلمة، فيما إذا لم يتمكن المكلف من تأمين معاشه من طريق آخر وفي
موثقه عمار عن أبي عبداللّه (ع) «سئل عن أعمال السلطان يخرج فيه الرجل؟ قال: لا إلاّ أن لا يقدر على شيء يأكل ويشرب، ولا يقدر
على حيلة، فان فعل فصار في يده شيء، فليبعث بخمسه إلى أهل البيت»(283).