ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص220
(الأمر الثالث) اعانة الظالم على فعله المباح وقد يظهر من بعض الاخيار حرمتها، كرواية يونس بن يعقوب، قال: «قال لي أبو عبداللّه
(ع) لا تعنهم على بناء مسجد»(256) وفي معتبرة ابن أبي يعفور عن أبي عبداللّه (ع) قال: «إذ دخل عليه رجل فقال: جعلت فداك إنّه
ربما أصاب الرجل منا الضيق أو الشدة، فيدعى إلى البناء يبنيه أو النهر يكريه أو المسناة يصلحها فما تقول في ذلك؟ قال: ما أحب
انّي عقدت لهم عقدة أو وكيت لهم وكاءاً وأن لي ما بين لابيتها ولا مدة بقلم، إن اعوان الظلمة يوم القيمة في سرادق من نار حتى يحكم
اللّه بين العباد»(257) ووجه اعتبارها سنداً أن بشيراً من مشايخ ابن أبي عمير، فيعمه التوثيق العام المذكور في عدة الشيخ «ره»
والمسناة ما يبنى على وجه السيل ويقال له السد، والوكاء ما يشد به رأس القربة، فقوله ووكيت لهم وكاء، أي أشد لهم رباط القربة والواو
ـ في قوله: (وان لي ما بين لابتيها) ـ حالية بمعنى أنّي لا أحب ما ذكر وإن كان لي في مقابله ما بين لابتي المدينة، واللابتين
تثنية اللابة، وهي أرض ذات أحجار سود، وكأنّ المراد بهما الجبلان في ناحيتي المدينة. وقوله: (ولا مدة بقلم) أي لا أحب أخذ المداد بالقلم
لهم مرة، والسرادق الخيمة.
والحاصل أنّ المذكور في الرواية من قبيل إعانة الظالم على الفعل المباح أو على ما يعمه. وفي معتبرة السكوني عن جعفر بن محمد
بن آبائه، قال: «قال رسول اللّه (ص): إذا كان يوم القيمته فنادى مناد أين أعوان الظلمة، ومن لاق لهم دواتاً، أو ربط كيساً، أو مد لهم مدة
قلم؟ فاحشروهم معهم»(258).
ورواية محمد بن عذافر عن أبيه قال: «قال أبو عبداللّه (ع): يا عذافر نبئت أنّك تعامل أبا أيوب والربيع، فما حالك إذا نودي بك في
أعوان الظلمة؟ قال: فوجم أبي، فقال أبو عبداللّه (ع) ـ لما رأى ما أصابه ـ: أي عذافر إنّما خوفتك بما خوفني اللّه عزّ وجل، قال محمد
فقدم أبي، فما زال مغموماً مكروباً حتى مات».
ورواية صفوان بن مهران الجمال، ولا يبعد كونها موثقة، قال: «دخلت على أبي الحسن الأول (ع)، فقال لي: يا صفوان كل شيء منك حسن
جميل ماخلا شيئاً واحداً، قلت جعلت فداك أي شيء؟ قال: اكراؤك جمالك من هذا الرجل، يعني هارون، فقال: واللّه ما اكريته أشرا ولا
بطراً ولا للصيد ولا للهو، ولكنّي اكريته لهذا الطريق، أي طريق مكة، ولا أتولاه بنفسي، ولكن أبعث معه غلماني، فقال لي: يا
صفوان أيقع كرأوك عليهم؟ قلت: نعم جعلت فداك، قال فقال لي: أتحب بقاءهم حتى يخرج كراؤك؟ قلت: نعم، قال من أحب بقاءهم فهو
منهم، ومن كان منهم ورد النار“».
ولكن ظاهر هذه جواز المعاملة وإعانتهم على الفعل المباح، وذلك فانّه لو كانت معامة الجائر حراماً، لم يكن وجه لقوله (ع) أيقع كراؤك
عليهم وأتحب بقاءهم حتى يخرج كراؤك، بل كان المتعين أن يقول (ع): إنّ الاكراء منهم حرام حتى فيما إذا لم يكن للهو والبطر، وعدوله
(ع) ـ عن ذلك إلى ما في الرواية ـ قرينة واضحة على أنّ وجه النهي عن المعاملة هو حب الشخص بقاءهم. ومن الظاهر أنّ هذا النحو من الحب ـ
الذي هو في الحقيقة حب لاستيفاء حقه منه ـ لا يكون محرماً، خصوصاً فيما إذا علم أنّه على تقدير ذهاب هذا الظالم يخلفه ظاهر آخر
مثله أو أخبث منه وكيف كان فالمستفاد من الرواية كون التجنب عن الجائر اولى.