ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص210
(لا يقال) لا وجه لسقوط الاطلاق منهما فيما إذا كانت في البين قرينة على دخول مورد الاجتماع في مدلول أحدهما، فانّ لزوم حمل الروايات
المجوزة على الصورة النادرة وهي عدم التمكن من التورية قرينة على التحفظ باطلاقها، (فانّه يقال) لا يكون عدم التمكن من التورية
ولو باعتبار غفلة المتكلم عنها نادراً. اللّهمّ إلاّ يقال: إنّ مفهوم رواية سماعة اخص مطلق بالاضافة إلى الروايات المتقدمة، فانّ
قوله (ع) فيها (إذا حلف الرجل تقية) لا يعم غير موارد دفع الضرر، فيكون تعليق جواز الكذب فيه على الاضطرار بالقضية الشرطية
ظاهراً في عدم جواز دفعه به، مع عدم الاضطرار، ويقيد به اطلاق الروايات السابقة، ولعله لذلك أمر المصنف «ره» بالتأمّل، ولكن الأظهر
عدم اعتبار العجز عن التورية في جواز الكذب، فانّ بعض روايات الحلف كاذباً قد وردت في دفع الضرر المالي عن الغير، كما في
صحيحة اسماعيل المتقدمة، ومثل هذه لا تكون من مورد الاضطرار، لأنّ دفع هذا الضرر عن الغير لا يكون واجباً ليتحقق عنوان
الاضطرار إليه. ومقتضى اطلاق الصحيحة جواز هذا الحلف مع التمكن من التورية وعدمه، وبهذا يرفع اليد عن اطلاق مفهوم رواية سماعة،
فيقال: لا يجوز الكذب من غير اضطرار إلاّ الكذب لدفع الضرر المالي عن الغير، فانّه جائز مع التمكن من التورية وعدمه، وإذا جاز
الكذب لدفع الضرر المالي عن الغير مع التمكن منها جاز لدفع الضرر عن نفسه أيضاً، لعدم احتمال الفرق في الجواز وعدمه بين دفع
الضرر عن نفسه وغيره.
هذا مع أنّ رواية سماعة ضعيفة سنداً لا يمكن الاعتقاد عليها. وذكر الايرواني «ره» في وجه جواز الكذب لدفع الضرر مع التمكن من
التورية وعدم انّ الكذب عبارة عن التلفظ بالفاظ والقصد إلى معنى منها لا يطابق الواقع والاكراه على الكل كما يكون رافعاً لحرمة
الكل كذلك الاكراه على الجزء يكون رافعاً لحرمته التبعية، وبما أنّ الألفاظ المزبورة جزء من الكذب بل عمدته، وباعتباره الاكراه أو
الاضطرار إليها ترفع حرمتها التبعية فيجوز قصد المعنى منها لأنّ مجرد قصد المعنى بدون التلفظ ليس بحرام، والتلفظ في
الفرض باعتبار ارتفاع حرمته كالعدم، فيكون الفرض كما إذا كان في البين القصد المجرد.
ولكن لا يخفى ما فيه، فأنّ مجرد التلفظ بالألفاظ لا يكون محرماً ولو تبعاً حتى ترتفع حرمته بالاكراه أو الاضطرار، كما هو حال
الجزء في سائر الموضوعات المحرمة المركبة وإنّما يكون الجزء حراماً ضمناً مع حصول الكل، فتكون الألفاظ محرمة في خصوص فرض
قصد معنى منها لا يطابق ذلك المعنى الواقع، ومع التمكن من التورية يكون الاضطرار أو الاكراه على الجامع بين الحلال والحرام، فيعود
الكلام السابق.
[1] هذا اشكال على أكثر الأصحاب المعتبرين في جواز الكذب العجز عن التورية. وحاصله أنّهم فرقوا بين الكذب في الحلف والخبر،
وبين المعاملات وسائر الأقوال المحرمة كالسب والتبري، حيث اعتبروا العجز عن التورية في جواز الأول دون الثاني، فانّه لا تصح
المعاملات المكره عليها، ولا يكون السب أو التبري محرماً مع الاكراه حتى مع التمكن من التورية، فيقال عليهم بأنّ المكره بالفتح
على البيع مثلاً مكره على التلفظ لا على إرادته، فإذا أراده مع تمكنه على التورية يكون البيع باختياره ورضاه، فاللازم الحكم
بصحته ودافع عنهم المصنف «ره» بأنّ المجوز للكذب في الحلف أو في الاخبار طرو عنوان الاضطرار، وتحقق هذا العنوان موقوف على
العجز عن التورية، بخلاف المعاملات وسائر الأقوال، فأنّ الطاري عليها عنوان الاكراه، ولا يعتبر في تحققه العجز عنها، كما إذا أمره
الجائر ببيع ماله أو بالتبري عن دينه فباع أو تبرء للتخلص من وعيده، يكون فعله مكرها عليه ومحكوماً في الأول بالفساد وفي
الثاني بالجواز.