ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص209
ثمّ إنّه وإن اعتبر في تحقق الاضطرار إلى الكذب عدم التمكن من التورية، فانّ الاضطرار إلى الجامع بين الكذب والتورية من
قبيل الاضطرار إلى شرب أحد ما يعين لرفع عطشه المهلك، وأحدهما متنجس والآخر طاهر في أنّ الاضطرار إلى الجامع ـ باعتبار إمكان
ايجاده في ضمن فرده الحلال ـ لا يكون من الاضطرار إلى الحرام، إلاّ أنّه في المقام روايات يستفاد منها عدم اعتبار العجز عن التورية
في جواز الكذب.
(منها) ـ صحيحة اسماعيل بن سعد الأشعري عن أبي الحسن (ع) (عن رجل يخاف على ماله من السلطان، فيحلف لينجو به منه، قال: لا جناح
عليه، وسألته هل يحلف الرجل على مال أخيه كما يحلف على ماله؟ قال: نعم»(240) وموثقة زرارة قال قلت لأبي جعفر (ع): «نمر بالمال
على العشار، فيطلبون منّا أن نحلف لهم ويخلون سبيلنا، ولا يرضون منّا إلاّ بذلك؟ قال: فاحلف لهم فإنّه أحل من التمر
والزبد»(241) فإنّه وإن لم يذكر كذب الحلف فيهما، إلاّ أنّه المراد، فانّ السؤال عن جواز الحلف صادقاً لدفع الضرر بعيد،
خصوصاً بقرينة الجواب بأنّه أحل من التمر والزبد، وفي رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي (ع)، قال قال رسول
اللّه (ص): «احلف باللّه كاذباً ونج أخاك من القتل»(242) إلى غير ذلك.
ومقتضى اطلاق مثل هذه عدم الفرق في جواز الحلف لدفع الضرر، بين التمكن من التورية وعدمه، وفي مقابل ذلك رواية سماعة عن أبي
عبداللّه (ع) قال: «إذا حلف الرجل تقية لم يضره إذا هو أكره أو اضطر إليه، وليس شيء ممّا حرم اللّه إلاّ وقد أحله لمن اضطر
إليه»(243) فإنّ مقتضى مفهومها عدم جواز الكذب مع عدم الاضطرار والاكراه، كان في البين دفع ضرر أو لا، والنسبة ـ بينهما وبين
الروايات المجوزة للكذب لدفع الضرر ـ العموم من وجه، فانّه يشمل مفهوم هذه ما إذا لم يكن في الكذب دفع الضرر، كما تشمل تلك
الروايات ما إذا كان دفع الضرر منحصراً بالكذب كما في فرض الغفلة عن التورية، ويجتمعان فيما إذا لم ينحصر دفع الضرر
بالكذب كما في فرض التمكن من التورية، فانّ مقتضى المفهوم عدم جوازه لعدم الاضطرار إليه، ومقتضى تلك الروايات جوازه وبما
انّ دلالة كل منهما بالاطلاق فيسقط الاطلاق من الجانبين، ويرجع إلى اطلاق دليل حرمة الكذب.