ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص203
والحاصل أنّ هذه الصورة أيضاً خارجة عن الوعد الذي هو قسم من الإنشاء فلا يجب الفعل فيها لو قيل باختصاص وجوب الوفاء بالوعد
الذي هو من قسم الإنشاء. نعم لو انشأ العهد والالتزام بالفعل للغير كان العهد المزبور بانشائه واظهاره من حقيقة الوعد، ويمكن أن يقال
بوجوب الوفاء به للآية والرواية. والمراد بالآية قوله سبحانه «كبر مقتاً عند اللّه أن تقولوا ما لا تفعلون»(226) ولكن ظاهرها حرمة
القول بلا عمل، لا وجوب العمل بالقول، فلا يجوز الوعد لمن لا يفى بوعده، لا أنّه بعد الوعد يجب الوفاء به، ولا يلتزم القائل
بوجوب الوفاء بحرمة نفس الوعد مع عدم الوفاء، فالمراد بالآية صورة الاخبار عن فعله الاستقبالي، مع عدم قصد الفعل أو أمر الناس
وترغيبهم إلى ما يفعله، من قبيل قوله سبحانه: «أتأمرون النّاس بالبرّ وتنسون أنفسكم»(227) وعلى تقدير دلالتها على ذلك
فلا يختص الوجوب بالوعد الذي هو من قسم الإنشاء بل تعم الصورة الثانية من الاخبار.
وأمّا الروايات فظهورها في لزوم الوفاء بالوعد كالسند في بعضها تام إلاّ أنّه لابدّ من رفع اليد عنها، فانّ مثل الوعد ممّا
يبتلي به عامة الناس، ولو كان وجوب الوفاء به ثابتاً لكان من الواضحات، والمتسالم عليه، مع أنّه المعروف عند العلماء عدم وجوب
الوفاء به، ولذا عنوان الباب في الوسائل بالاستحباب، وفي حسنة هشام بن سالم قال: «سمعت أبا عبداللّه (ع) يقول عدة المؤمن أخاه
نذر لا كفارة له، فمن اخلف فبخلف اللّه بدء، ولمقته تعرض، وذلك قوله تعالى «يا أيّها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون
كبر مقتاً عند اللّه أن تقولوا ما لا تفعلون»(228) وظاهر تنزيل الوعد منزلة النذر وجوب الوفاء بالأول أيضاً، غاية الأمر أنّه ليس
في مخالفتها كفارة (أي كفارة مخالفة النذر) وفي حسنة شعيب العقرقوفي عن أبي عبداللّه (ع)، قال قال رسول اللّه (ص): «من كان
يؤمن باللّه واليوم الآخر فليف إذا وعد»(229) ثمّ إنّ ما ذكرنا من الأقسام في الوعد يجرى في الوعيد أيضاً، غير أنّه لا يستحب
الوفاء به، بل لا يجوز في بعض الموارد.
[1] خلاصة الكلام في المقام أنّه لو كان الهازل قاصداً للحكاية وكان غرضه من تلك الحكاية اضحاك الناس، فكلامه كذب حقيقة، حيث
إنّ الداعي لا دخل له في حرمته، وظاهر كذب الهزل في الخبرين أي في مرسلة سيف بن عميرة ورواية حارث الأعور(230) هو هذا. وأمّا إذا كان
تكلمه بلا قصد الحكاية، بل من ترديد الفاظ لها صور ومعان في الأذهان، وكان غرضه من ترديدها اضحاكهم، فهذا غير داخل في الكذب، ولا
يعمه ما ورد في كذب الهزل، حيث إنّه لا يكون اخباراً حتى يكون كذباً هزلاً أو جداً (وبعبارة أخرى) ذكر الكذب في الخبرين وفي
النبوي الوارد في وصيته (ص) لأبي ذر قرينة على كون المراد من الهزل واضحاك الناس صورة الحكاية، وكذا الحال في الخبرين. نعم لا
بأس بالالتزام بكراهة الهزل في غير صورة الحكاية، باعتبار أنّ المؤمن لا يشتغل بالهزل والباطل.