ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص200
(اقول) لازم كون الكذب كذلك اختيار شرب الخمر عند دوران الأمر بينهما بالإكراه عليه أو على الكذب، اللّهمّ إلاّ أن يقال بجواز الكذب
في هذا الحال، لأنّه يدفع به الضرر، ولا يكون من مورد التزاحم ليكون جواز دفع الإكراه به دليلاً على عدم كونه أهمّ من شرب الخمر ولا
مثله. وممّا ذكرنا يظهر الحال في المرسل الوارد فيه أنّ الكذب يعادل سبعين زنية أهونها كمن يزني بأمه، وقد تقدم الكلام في مثل هذه
الروايات المعلوم عدم مطابقة ظاهرها للواقع، وانّ اللازم الاغماض عنها على تقدير صحة اسنادها، فضلاً عن المرسلة ونحوها.
(الرابع) قوله عزّ من قائل: «انّما يفترى الكذب الذين لا يؤمنون بآيات اللّه» باعتبار أنّ نفي الإيمان عن المفتري وجعله
بمنزلة الكافر مقتضاه كون الكذب كبيرة (اقول) لا دلالة في الاية على كون مطلق الكذب كذلك، فانّ الافتراء أخص منه، نعم دعوى
اختصاص الآية بالافتراء في أصول الدين لا وجه لها، فانّ مورد النزول لا يكون مخصصاً أو مقيداً لعموم الحكم أو إطلاق الآية.
ويمكن الاستدلال على حرمة الكذب وكونه كبيرة بقوله سبحانه: «واجتنبوا قول الزور» ووجه الاستدلال على الحرمة ما ذكرنا سابقاً من
ظهور الزور في البطلان واتصاف القول بالباطل يكون باعتبار بطلان معناه، وعدم تطابقه مع الخارج كما هو المراد بالكذب. وظاهر الأمر
بالاجتناب عن فعل حرمته، كما في الأمر بالاجتناب عن الخمر والميسر وعبادة الأوثان إلى غير ذلك. وأمّا كونه كبيرة، فلأنّ الإمام (ع)
استشهد في صحيحة عبدالعظيم الحسني(222) لكون شرب الخمر كبيرة بأنّ اللّه عزّ وجل نهى عنها كما نهى عن عبادة الأوثان.
ومقتضى الاستشهاد المزبور أن يكون الكذب أيضاً من الكبائر لأنّ اللّه نهى عنه كما نهى عن عبادة الأوثان بقوله عزّ من قائل
«فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور».
والحاصل أنّ المتفاهم العرفي من الصحيحة المباركة أنّ الموجب لكون شرب الخمر كبيرة نهى اللّه عزّ وجل عنه في الكتاب المجيد،
نظير النهي عن عبادة الأوثان. وهذا التنظير في التعبير يجري في الكذب أيضاً كما لا يخفى. وممّا ذكرنا يظهر وجه كون القمار
كبيرة وأنّ ذلك باعتبار النهي عنه في الكتاب المجيد نظير النهي عن عبادة الأوثان.
وبعبارة أخرى الاستشهاد الوارد في الصحيحة بيان لكون الكذب والقمار كبيرة فلا يصح التمسك بالاطلاق المقامي لسائر الروايات،
لنفي كونهما كبيرتين، حيث إنّه لا يتمّ الاطلاق فيها بعد ورود البيان والقيد، كما أنّه لا يصح الأخذ باطلاق هذه الصحيحة لنفي
بعض ما ورد في سائر الروايات أنّها كبيرة. والحاصل أنّ الاطلاق بمعنى السكوت في مقام البيان لا يدلّ على شيء، مع ورود البيان
في رواية أخرى أو خطاب آخر.