پایگاه تخصصی فقه هنر

ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص182

ولا يخفى أنّ عدم وجوب ردع القائل كما في كلام كشف الريبة غير جواز الاستماع، ويمكن أن يقال بعدم وجوب الرد على القائل في

مورد احتمال جواز اغتيابه، ولكن لا يجوز الاستماع إليه، وهذا ظاهر قوله (ع) السامع للغيبة أحد المغتابين على تقرير قراءته بصيغة
الجمع، حيث أنّ مقتضى قراءته بصيغة الجمع أن يكون السامع للغيبة كالمتكلم بها، وكما لا يجوز الاغتياب واظهار سوء الغير مع عدم
احراز كون فاعل المنكر متجاهراً، كذلك لا يجوز السماع مع عدم هذا الاحراز، ولكن يظهر التسالم أو عدم الخلاف في حرمة استماع الغيبة بما
هو استماعا وليس في البين رواية على تحريمه غير مثل ما عن تفسير أبي الفتوح من أنّ السامع للغيبة أحد المغتابين، ولا يمكن
الاعتماد على مثلها في الحكم بحرمة استماعها، فضلاً عن الحكم بكون الاستماع من الكبائر. نعم رد الغيبة واجب على سامعها كما هو ظاهر
غير واحد من الروايات كموثقة إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبداللّه (ع)، قال: «ما من مؤمن يخذل أخاه المؤمن وهو يقدر على نصرته إلاّ
خذله اللّه في الدنيا والآخرة»(201) والمراد بالخذلان ترك النصرة بقرينة المقابلة. وقريب منها بل أظهر منها غيرها فراجع، ومقتضاها
عدم الفرق في وجوب الرد بين علم السامع بأنّ المغتاب بالفتح ممّن لا يجوز اغتيابه أو احتمل جوازه. نعم في الفرض الثاني لا
يجوز الرد بنحو يكون هتكاً للمغتاب بالكسر ومنافياً لحمل فعله على الصحيح، بمعنى عدم صدور المعصية منه، فيجب عليه الرد
بنحو يحفظ فيه كرامة المغتاب بالفتح والحمل على الصحة.

والمتحصل أنّ هنا أموراً ثلاثة: (الأول) القائل عن الاغتياب باعتبار أنّ نهيه عنه داخل في عنوان النهي عن المنكر، فيجب، ويختص

بما إذا أحرز صدور الحرام عن القائل، وكون اغتيابه معصية للّه سبحانه. وأمّا إذا احتمل صدوره حلالاً، فمقتضى أصالة حمل فعله على
الصحة عدم وجوب نهيه، بل لا يجب النهي حتى مع الاغماض عن أصالة الصحة، حيث أنّ التمسك بدليل وجوب النهي عن المنكر مع عدم
احراز المنكر من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

(الثاني) الاستماع إلى الاغتياب، فهذا جائز عندنا على الاطلاق، ولكن المنسوب إلى المشهور، بل ادعى كما عن المصنف «ره» عدم الخلاف

في حرمته. والاستماع عندهم جائز فيما إذا أحرز جواز الاغتياب، وأمّا إذا احتمل جوازه فيمكن لهم القول بالجواز، حيث أنّ مفاد الروايات
كون حكم المستمع في الوزر وعدمه حكم المغتاب بالكسر، ومع جريان أصالة الصحة في فعل المغتاب بالكسر يحرز عدم الوزر له.

(لا يقال) حمل القائل على الصحة ينافي أصالة عدم كون المغتاب بالفتح متجاهراً حتى يجوز اغتيابه، بل الأصل أنّه لم يرتكب

حراماً أصلا ً (فانّه يقال) أصالة الصحة في فعل القائل لا ينافي تلك الأُصول، فإنّ أصالة الصحة معناها عدم اسناد المعصية إلى
القائل، كما هو مفاد قوله سبحانه: «قولوا للناس حسناً» يمكن أن يكون القائل معذوراً لم يعص اللّه في اغتيابه، بأن كان معتقداً
بصدور الحرام من الغير، وكون ذلك الغير متجاهراً مع خطأه في اعتقاده، ولا يكون ذلك الغير أيضاً عاصياً في الواقع، كما هو مفاد
أصالة عدم كونه متجاهراً، بل ولا مرتكباً للحرام، ولكن الصحيح كما ذكرنا عدم تمام الدليل على حرمة الاستماع، حتى في فرض احراز
أنّ القائل يعصى اللّه باغتيابه، وذلك فانّ الروايات الواردة في المقام كلها ضعيفة سنداً، غير قابلة للاعتماد عليها.

(لا يقال): لا يمكن احتمال كذب تمام تلك الروايات وعدم صدور شيء منها عن الإمام (ع) بل دعوى الوثوق بصدور بعضها عنهم (ع) قريبة

جداً (فانّه يقال) على تقدير تسليم ذلك، فيمكن أن يكون الصادر عنهم (ع) مقترناً بقيد لم ينقل إلينا ذلك القيد، وهو الاستماع
إلى الاغتياب مع السكوت عليه، وعدم رده، ولا يعتبر السند في شيء من تلك الروايات. ليقال مقتضى اعتبار خبر الثقة أو العدل هو
الاطلاق، وعدم صدور القيد عنه (ع).