ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص177
ثم إنّي لا أظنّ أن يتوهّم دلالة الموثّقة على وجوب الوفاء بالوعد، وذلك لما ذكرنا من أنّ المذكور فيها طريق إلى عدالة الشخص،
ويمكن جعل الالتزام بالمستحب الواحد طريقاً إلى عدالة الشخص، فضلاً عن جعل عدة أُمور يكون الالتزام به أحدها. نعم ربّما يقال
بأنّ مدلول الموثقة ترتب مجموع الأحكام المذكورة في الجزاء على الشرط المذكور، فيكون مفهومها انتفاء المجموع بانتفاء الشرط، وهذا
لا ينافي ثبوت بعض تلك الأحكام أي حرمة الغيبة في فرض انتفاء الشرط. ويدفعه ظهور القضية في ترتب كلّ واحد من الأحكام
المزبورة على الشرط.
ثمّ إنّ مفاد رواية علقمة كون الأصل في المؤمن العدالة، فيكفي في ترتيب آثارها عدم إحراز الفسق، هذا هو المنسوب إلى الصدوق
«ره»، ولكن الاعتماد ـ في ذلك على هذه الرواية مع ضعفها سنداً ومعارضتها لما دلّ على اعتبار إحراز العدالة في ترتيب آثارها،
كصحيحة عبداللّه بن أبي يعفور ـ غير ممكن.
[1] الأظهر جواز ذلك، كما عليه جماعة، وتقتضيه صحيحة ابن أبي يعفور، حيث أنّ ظاهرها جواز تفتيش سائر عيوب المتجاهر، فيجوز
أيضاً إظهار تلك العيوب بعد العلم بها، على ما تقدّم من عدم احتمال الفصل بين الجوازين، ويدلّ عليه أيضاً رواية هارون بن الجهم
المتقدّمة، حيث أنّ ظاهرها عدم الاحترام للمتجاهر حتّى يتحفّظ عليه بترك غيبته وعدم إظهار عيوبه المستورة عليه، بل المراد من
نفي الغيبة له تجويز إظهار تلك العيوب خاصّة، وإلا فبالإضافة إلى عيبه المتجاهر به لا تتحقّق الغيبة أصلاً.
والحاصل أنّ هذه الرواية ـ وما بعدها باعتبار ضعف إسنادها ـ مؤيّدة، والعمدة في المقام الصحيحة والموثقة. ومما ذكر يظهر الحال فيما إذا
كان متجاهراً في بلد دون آخر، فإنّه يجوز بيان عيوبه حتّى في البلد الآخر لعين ما ذكر. نعم إذا كان ساتراً لعيوبه ومعتذراً عن
عيبه المتجاهر به بارتكابه للاضطرار أو الإكراه أو التزاحم بينه وبين التكليف الآخر، أو بدعوى أنّه يرى جوازه تقليداً أو اجتهاداً،
فإن كان بطلان اعتذاره واضحاً عند الناس فلا يعد الاعتذار ستراً، وإن احتمل العذر ولو كان معلوم البطلان عند البعض الآخر، فلا
يكون بارتكابه جاهراً بفسقه.
ثمّ إنّ ظاهر الأدلّة كون الحكم ما دلّ كونه جاهراً، نظير قوله (ع): «لا تصلّ خلف الفاسق» فلا يجوز الاغتياب بعد ما صار الشخص
ساتراً لعيوبه، حتّى بإظهار عيبه الذي كان عليه زمان تجاهره، كما لا يخفى.
[1] يعني لو تأذّى بالذمّ لا بظهور عيبه، بأن لا يكون مجرّد ظهوره مكروهاً له، فلا بأس باغتيابه بإظهار ذلك العيب وفي فرض
كراهته له يجوز سبّه بما لا يكون كذباً، ولكن لا يجوز اغتيابه حيث أنّ مناط السبّ المذمّة والتنقيص، فيجوز، ومناط الغيبة
إظهار عيبه، فلا يجوز، إلا مع الرخصة أو عدم الكراهة.