پایگاه تخصصی فقه هنر

ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص174

ثمّ إنّ ما ذكر من رعاية المصلحة الراجحة موقوفة على الاطلاع على الملاكات، وأين لنا ذلك، بل هذه الرعاية من وظيفة الشارع في مقام

جعل الأحكام، فإنّه إذا كانت مع المفسدة في الفعل جهة أُخرى مقتضية لخلاف حرمته، ففي مثل ذلك يكون الجعل تابعاً لأقوى
الملاكين، أو يثبت حكم ترخيصي مع عدم تمامية الملاك الإلزامي. هذا في مقام الثبوت، وأمّا في مقام الإثبات، فإذا طرأ على غيبة
المؤمن عنوان يحتمل معه تبدّل فسادها، ولم يكن ذلك العنوان الطارئ مورد الأمر أو الترخيص في شيء من الخطابات الشرعية، فيؤخذ
بإطلاق دليل حرمة الغيبة، ومع تعلّق الأمر أو الترخيص بذلك العنوان في خطاب، تلاحظ النسبة بينه وبين خطاب النهي عن
الغيبة، على تفصيل مذكور في بحث التعارض. نعم إذا كان التزاحم بين حرمة الغيبة وتكليف آخر من قبيل التزاحم بين
التكليفين، بأن لم يتمكّن المكلّف من الجمع بين امتثال النهي عن الغيبة وموافقة التكليف الآخر المتعلّق بفعل آخر،
فيلاحظ الأهمّ منهما أو محتملة.

وما ذكره في جامع المقاصد ـ من أنّ ضابط حرمة الغيبة قصد هتك المؤمن وإضحاك الناس منه، فلا يكون في غير ذلك حرمة ـ لا يمكن

المساعدة عليه، فإنّ القصد المزبور لا دخل له في صدق الغيبة، ولا في ملاك حرمتها ومقتضى الاطلاق هو الحكم بها بأي قصد
تحقّقت، إلا إذا كان في البين انصراف أو دليل مقيّد لحرمتها. ولا بأس بالتعرّض للموارد التي ذكرها في جامع المقاصد، فنقول:
لا ريب في جواز الغيبة فيما إذا كانت المقالة الباطلة من قبيل البدعة في الدين، ودعوة الناس إلى الضلالة. وقد تقدّم استفادة جواز
الغيبة في مثل هذا الفرض من صحيحة داود بن سرحان(193) بل البدعة كذلك تجاهر بالفسق فلا يكون لصاحبها حرمة. وأمّا التعديل
والجرح، فإنّ الأوّل لا بأس به فإنّه إظهار جلال الشخص وكماله، وكذا لا بأس بالثاني فيما إذا كان المغتاب كذّاباً جعّالاً أو
متجاهراً بفسقه، كما إذا كان فطحياً أو واقفياً أو عامّياً، حيث أنّ الراوي الكذّاب يدخل في المبدع في الدين حتّى فيما إذا كان
متستراً بكذبه، بل ولا يبعد أن يقال بانصراف أدلّة حرمة الغيبة عن الإخبار بالفسق في مقام الشهادة، كما كان على ذلك سيرة
المسلمين، حيث كانوا يشهدون بفسق الناس عند دعوتهم إليها.

هذا مع أنّه قد يمكن للرجالي ـ فيما إذا علم فسق الراوي ـ أن يترك توثيقه، فإنّ هذا يكفي في سقوط روايته عن الاعتبار، ولا يلزم

التعرض لفسقه المستور، فتأمّل.