ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص171
[2] بعض الروايات المتقدّمة دالّة على وجوب الاستحلال، ومقتضى إطلاقها كون وجوبه تعيينياً، كما أنّ رواية حفص بن عمر(191)
المعبّر عنها في كلام المصنّف «ره» برواية السكوني دالّة على لزوم الاستغفار للمغتاب بالفتح، ومقتضى إطلاقها أيضاً
تعيينه، فقيل برفع اليد عن كلا الاطلاقين بحمل الوجوب فيهما على التخييري، كما هو مقتضى الجمع العرفي بين الأمر بفعل
في خطاب والأمر بالفعل الآخر في خطاب آخر، وفيه أنّ هذا النحو من الجمع في المقام غير ممكن، لما ورد من كون الغيبة أشدّ من الزنا
في التخلّص عن وزرها، ومع التخيير بين الاستحلال والاستغفار لا يكون في البين ما يوجب كون التخلص من وزرها أشد، مع أنّ
الجمع بحمل الفعل في كلّ من الخطابين على التخييري يختصّ بما إذا علم بعدم وجوب كلا الفعلين معاً، كما في مسألة دلالة إحدى
الروايتين على وجوب صلاة الجمعة، والأُخرى على وجوب صلاة الظهر، حيث يعلم بعدم وجوب كلتا الصلاتين معاً. وأمّا فيما احتمل
وجوب كلّ منهما تعييناً، فيؤخذ باطلاق الوجوب في كلّ منهما.
لا يقال: ظاهر كلّ من الروايتين عدم وجوب الفعل الآخر، فإنّ مقتضى رواية حفص بن عمر كون الاستغفار للمغتاب بالفتح
كافياً في تكفير ذنب الاغتياب فلا حاجة معه إلى الاستحلال، كما أنّ ظاهر النبوي كون الاستحلال كافياً، ولا حاجة معه إلى
الاستغفار له.
فإنّه يقال: نعم هذا الظهور إطلاقي ومن باب السكوت في مقام بيان كفارة الاغتياب، فينتفي هذا الاطلاق عن كلّ من الطائفتين
بقرينة الأُخرى، فإنّ مدلول رواية حفص عدم الحاجة إلى غير الاستغار من سائر الأفعال، ومنها الاستحلال، فيرفع اليد عن الاطلاق
بالإضافة إلى الاستحلال وكذا الحال في ناحية النبوي، حيث أنّ مدلوله أيضاً عدم الحاجة إلى غير الاستحلال من سائر الأفعال، ومنها
الاستغفار للمغتاب، فيرفع اليد بالإضافة إلى الاستغفار.
والحاصل أنّ مقتضى الجمع العرفي بين الروايتين هو الالتزام بوجوب كلا الأمرين، وهذا يناسب أيضاً كون الغيبة أشدّ من الزنا
كما لا يخفى. نعم يبقى في البين أنّ هذا الجمع فرع اعتبار كلّ من الطائفتين، ومع ضعف سندهما لا يمكن الاعتماد عليهما حتّى
يجمع بينهما بما ذكر، وربما يجمع بينهما بحمل لزوم الاستحلال على صورة التمكن، وعدم الفتنة في الاستحلال، والاستغفار على
صورة عدم التمكّن أو احتمال وقوع الفتنة.