ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص169
وربّما يقال: مقتضى ظهورها اختصاص الغيبة المحرّمة بإظهار ما يكون في ارتكابه حد، ويجاب عن ذلك كما عن السيد الخوئي بأنّه
يرفع اليد عن القيد ببركة حسنة عبدالرحمن بن سيابة، قال: «سمعت أبا عبداللّه (ع) يقول: «الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره
اللّه عليه»، وأمّا الظاهر مثل الحدة والعجلة فلا، وأمّا البهتان أن تقول فيه ما ليس فيه»(189).
وفيه: أنّ مقتضى الجمع العرفي هو رفع اليد عن إطلاق الثانية بالقيد الوارد في الرواية الأُولى. هذا، ولكنّ الصحيح أنّه لا
دليلة في الرواية الأُولى على التقييد، فإنّ عدم قيام الحدّ بمفاد ليس التامّة يصدق على ما إذا لم يكن في ارتكابه حدّ، ولعلّ
ذكر ذلك باعتبار أنّ مع قيام الحدّ يكون الارتكاب ظاهراً عند الناس، فلا يكون في البين غيبة. وكشف عيب مستور، هذا مع ضعف
سندها بمعلّى بن محمد، فلا تصلح لرفع اليد بها عن إطلاق الحسنة.
لا يقال: كيف تكون رواية عبدالرحمن حسنة، مع عدم التوثيق له؟
فإنّه يقال: يعمّه التوثيق العام الذي ذكره الشيخ «ره» في العدّة، فإنّه من مشايخ ابن أبي عمير.
ثمّ إنّ الظاهر صدق الستر وكون العيب مما ستره اللّه حتّى لو علمه واحد أو اثنان أو ثلاثة، وإنّما لا يصدق فيما إذا علمه جلّ
معاشريه أو جماعة، بحيث يصحّ أن يقال: إنّه مما عرفه الناس، وفي رواية يحيى الأزرق، قال: قال لي أبو الحسن (ع): «من ذكر رجلاً من
خلفه بما هو فيه مما عرفه الناس لم يغتبه، ومن ذكره من خلفه بما هو فيه مما لا يعرفه الناس اغتابه، ومن ذكره بما ليس فيه فقد
بهته»(190)، ولو كان عيب إنسان مستوراً عند طائفة وظاهراً عند الأُخرى، فهل يجوز إظهار ذلك العيب عند الطائفة الأُولى؟ قد يقال
بعدم جواز الإظهار، باعتبار أنّه وإن لم يكن إظهاره عندهم اغتياباً، وأنّه عيب لم يستره اللّه على ذلك الإنسان، إلا أنّه يعمّه ما في
موثقة أبي بصير المتقدّمة من قوله (ع) «وأكل لحمه معصية للّه» فإنّ الإظهار المزبور أكل للحمه وإسقاط له عن أعين الطائفة
الأُولى بلا كلام. ولكن الأظهر جوازه، فإنّه لا ينبغي التأمّل في جواز إظهار ذلك العيب عند الجاهل به من الطائفة الثانية، كما هو ظاهر
الروايات الواردة في تحديد الغيبة وتفسيرها، وإذا جاز إظهار عيبه عنده، مع أنّه إسقاط لعرضه عنده، جاز عند الطائفة الأُولى أيضاً،
باعتبار عدم احتمال الفرق، وبعبارة أُخرى عدم احتمال الفرق موجب لرفع اليد في المورد عن إطلاق الموثقة المزبورة، كما لا يخفى.