پایگاه تخصصی فقه هنر

ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص168

وأمّا في المصباح من اعتبار كون العيب مما يكرهه المغتاب بالفتح، فالمراد كراهة ظهوره أو كراهة ذكره، والأوّل كما في العيب المخفي،

حيث أنّ المغتاب بالفتح كثيراً ما يكره هوره، والثاني كما في العيب الظاهر، حيث أنّ الإنسان كثيراً ما يكره ذكره بذلك العيب
تعييراً له أو في مقام ذمّه. والوجه في كون المراد ذلك هو أنّ الإنسان يجد في الغالب ما يرتكبه من القباح موافقاً لقواه الشهوية،
فلا يكرهها، وإنّما يكره ظهورها للناس أو ذكرها كما ذكرنا. وهذا كلّه فيما إذا كان المراد بـ«ما» الموصولة هو العيب. وأمّا لو كان المراد به هو
الكلام لكان معنى ما في المصباح اغتابه إذا ذكره بكلام يكره ذلك الكلام، وكراهة الكلام أيضاً إمّا لكونه إظهاراً لعيبه المستور عليه،
أو لكونه متضمّناً للذمّ والتعيير. وكيف كان، فهذا التعريف موافق لما رواه في المجالس والأخبار من قوله (ص) لأبي?ذر ـ بعد سؤال
بقوله: يا رسول اللّه وما الغيبة؟ ـ «ذكرك أخاك بما يكره»(185)، ونحوه نبوي آخر، ولكنّ النبوي الأوّل كالثاني ضعيف سنداً لا
يمكن الاعتماد عليهما، مع أنّ في النسخة الموجودة عندي «ذكرك أخاك بما يكره» أي ما يكون مكروهاً. وهذه عبارة أُخرى عن العيب، غاية
الأمر بما إذا كان مستوراً كما سيأتي.

وبعبارة أُخرى: لا دخل لكراهة المغتاب بالفتح وعدم كراهته في صدق الغيبة على إظهار عيبه ولا في حرمتها، فإنّه إذا فرض إنسان

له عيب مستور عليه، ولكن لا يكره ظهوره للناس بالاغتياب، لاعتقاده أنّ الاغتياب يوجب انتقال حسنات المغتاب بالكسر إليه،
وانتقال سيّئاته إليه. ولذا يرضى بفعل ذلك المغتاب، فلا إشكال في كون الفعل المزبور اغتياباً.

وعلى كلٍّ، فإنّ ما ورد في تفسير الغيبة ـ ومنها حسنة عبدالرحمن بن سيابة ـ كاف في إثبات المراد بها، وأنّها عبارة عن كشف

عيب مستور على المؤمن. ويستفاد من الآية المباركة أيضاً ذلك، وأنّه لا يجوز إظهار ما فيه نقص عرض المؤمن وسقوطه عن أعين الناس.
ولا يفرق في ذلك بين إظهار عيبه في حضوره أو في غيابه، حتّى ولو فرض أنّ الغيبة بمعناها الظاهر لا تشمل الأوّل، فإنّ
العبرة بالملاك لكون حرمتها للتحفّظ على كرامة المؤمن وعرضه وعدم سقوطه عن أعين الناس. وفي موثّقة أبي بصير عن أبي جعفر
(ع)، قال: قال رسول اللّه (ص): «سباب المؤمن فسوق، وقتاله كفر، وأكل لحمه معصية، وحرمة ماله كحرمة دمه»(186)، فإنّ دلالتها على
حرمة أكل لحم المؤمن وتنقيص عرضه واضحة. وفي رواية أُخرى لعبدالرحمن بن سيابة، عن أبي عبداللّه (ع) قال: «إنّ من الغيبة أن
تقول في أخيك ما ستره اللّه عليه، وإنّ من البهتان أن تقول في أخيك ما ليس فيه»(187)، وربّما يستظهر منها عدم انحصار الغيبة
بإظهار عيب مستور على مؤمن، حيث انّ ظاهر لفظة «من» هو التبعيض. ولكن لا يخفى أنّ المراد في الرواية التبعيض بحسب
المصداق، بمعنى أنّ قولك المزبور مصداق، وقول الآخر ذلك القول أيضاً مصداق آخر، وهكذا. والشاهد لكون التبعيض بحسب المصداق
قوله بعد ذلك «وإنّ من البهتان» حيث أنّ من الظاهر عدم تعدّد نوع البهتان، وفي رواية داود بن سرحان، قال: «سألت أبا عبداللّه (ع)
عن الغيبة؟ قال: هو أن تقول لأخيك في دينك ما يفعل، وتبثّ عليه أمراً قد ستره اللّه عليه لم يقم عليه فيه حد»(188).