ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص161
وقد تحصّل مما ذكرنا أنّه لا يمكن دعوى المعارضة بين خطاب النهي عن الغناء وبين خطاب استحباب قراءة القرآن أو المراثي، فيما إذا
كانت القراءة أو المرثية بنحو الغناء ليرجع بعد تساقط الاطلاق من الجانبين إلى أصالة الحلّية، أو تقديم جانب الاستحباب ببعض
الروايات القاصرة في دلالتها أو في سندها أيضاً عن إثبات استحباب الغناء في القرآن نظير قوله: «اقرأوا القرآن بألحان العرب»
وكقوله: «لكلّ شيء حلية، وحلية القرآن الصوت الحسن» وغيرهما من المرويات في أبواب قراءة القرآن.
[1] قيل بجواز الغناء للسير بالإبل. ويستدلّ عليه بما روي عن النبي (ص) أنّه قال لعبداللّه بن رواحة: «حرّك بالنوق،
فاندفع يرتجز، وكان عبداللّه جيد الحداء، وكان مع الرجال، وكان أنجشة مع النساء، فلما سمعه تبعه، فقال (ص) لأنجشة: رويداً رفقاً
بالقوارير».
وفيه أنّ الحديث نبوي مجهول السند وقاصر الدلالة، حيث أنّ الرجز لا يلازم الغناء، كما أنّه لم يعلم كون الحداء مساوياً للغناء، مع
أنّه (ص) لم يأمر رواحة بالحداء حتّى يستظهر منه أنّه تجويز للغناء للسير بالإبل، وبرواية السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه
عن آبائه قال: قال رسول اللّه (ص): «زاد المسافر الحداء والشعر منه ليس فيه جفاء»(180)، وفي بعض النسخ: ليس فيه خفاء، وهذه
الرواية ضعيفة سنداً ودلالةً، أمّا دلالةً، فلما تقدّم أنّه لم يعلم كون الحداء مساوياً للغناء، بل من المحتمل قريباً أنّه مطلق
مدّ الصوت وترجيعه، فيقيد بما لم يصل إلى حدّ الغناء، كما هو مقتضى الجمع بينها وبين روايات حرمة الغناء على ما مرّ. وأمّا
سنداً فإنّ في سندها الحسين بن يزيد النوفلي، فيه كلاما أشرنا إليه آنفاً.