ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص160
وأمّا موثّقة عبدالأعلى، فقد تقدّم أنّ مدلولها عدم اتخاذ اللّه تعالى أو رسوله لنفسه اللهو. وأمّا أنّ اللهو بإطلاقه محرّم على
الإنسان المكلّف، فلا دلالة لها على ذلك أصلاً، بل ذكرنا احتمال أن يكون الاستشهاد بالآية باعتبار ما في ذيلها من الويل
للمفتري، وفي صحيحة الريان بن صلت، قال: «سألت الرضا (ع) عن الغناء وأنّ العباسي ذكر منك أنّك ترخّص في الغناء؟ فقال:
كذب الزنديق ما هكذا قلت له، سألني عن الغناء، فقلت: إنّ رجلاً أتى أبا جعفر (ع) فسأله عن الغناء فقال: إذا ميّز اللّه بين الحقّ
والباطل، فأين يكون الغناء؟ فقال: مع الباطل، فقال: قد حكمت» فإنّ صدرها ظاهر في نفس الترخيص في الغناء لا أنّه حرام، وقول
أبي جعفر (ع) لا يدلّ على خصوص الحرمة، كما لا يدلّ على الجواز بنحو الكراهة، حيث أنّ الباطل جامع بينهما، ويناسب كلاً منهما،
وبهذا الاعتبار ذكر (ع) كذب الزنديق. وبهذا يظهر الحال في موثقة زرارة عن أبي عبداللّه (ع)، أنّه «سُئل عن الشطرنج وعن لعبة
شيث التي يقال لها لعبة الأمير، وعن لعبة الثلث، فقال: أرأيتك إذا ميّز اللّه الحقّ والباطل مع أيّهما تكون؟ قال: مع الباطل، قال:
فلا خير فيه»(179)، حيث أنّ نفي الخير لا يدلّ على الحرمة، بل يناسب الكراهة أيضاً، وإن كان المراد منه بالإضافة إلى بعض مورد
السؤال أو كلّه الحرمة، ولكنّها بقرينة خارجية، ولو كنّا وهذه الرواية لما أمكن الحكم بالحرمة حتّى في مورد السؤال، وكيف كان فلا
دلالة في الروايتين على حرمة الباطل أصلاً.
[1] وحاصله أنّ المحرّم قد يكون له وجود آخر ويحسب مقدّمة للمستحب أو المكروه أو المباح، وقد يكون متحداً مع العنوان المستحب أو
المكروه أو المباح في الوجود، ولا بدّ في كلا القسمين من تقديم خطاب التحريم ولو مع كون النسبة بين الخطابين العموم من وجه،
فإنّ هذا التقديم مقتضى الجمع العرفي بين الخطابين، حيث أنّ المستفاد عرفاً من خطاب استحباب الشيء مع ملاحظة كون بعض
سببه محرّماً استحباب إيجاده بسبب مباح، كما أنّ المستفاد من خطابه مع ملاحظة خطاب النهي في مورد اتحاد العنوانين كون
الاستحباب اقتضائياً بالإضافة إلى العنوان المحرّم بمعنى أنّه يثبت الاستحباب لو لم يكن في البين ذلك العنوان الحرام.
وكذا الحال في مورد اتحاد العنوان المحكوم بالإباحة مع العنوان المحرّم، ولذا لا يستفاد من خطاب حلّ أكل لحم مثل الغنم حلّه حتّى
فيما إذا كان الغنم مغصوباً أو موطوءاً، ولعلّ الوجه في هذاالجمع العرفي هي القرينة العامّة، وهي ملاحظة الفاعل الجهة الأهم والملاك
الملزوم في مورد مزاحمته بغيره.