ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص156
ونظيرها ما ورد في حرمة الاستماع إلى الغناء، فإنّه كاشف عن حرمة نفس الغناء حيث لا يحتمل حرمة الاستماع والجلوس إلى الحلال،
وفي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال: «سألته عن الرجل يتعمّد الغناء يجلس إليه، قال: لا»(171).
فقد ظهر مما ذكرنا أنّ الغناء وإن كان بإطلاقه محرّماً إلا أنّه لا يمكن الحكم بكونه من الكبائر، إلا فيما إذا كان في ضمن كلام باطل
كالكذب. وما يوجب إضلال الناس عن الدِّين الحقّ وإفساد عقيدتهم، وفي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال: «سمعته
يقول: الغناء مما أوعد اللّه عليه النار»(172)، وتلا هذه الآية «ومن الناس من يشتري لهو الحديث“» إلخ، فإنّ الآية ناظرة إلى شراء لهو
الحديث الموجب لإضلال الناس. وما في رواية الأعمش أيضاً لا يدلّ على أنّه بإطلاقه من الكبائر، حيث أنّ المذكور فيها الملاهي التي
تصدّ عن ذكر اللّه، والملاهي جمع ملهى بمعنى اللهو، بقرينة التمثيل بالفعل، ومدلولها كون الغناء الموجب لنسيان اللّه كبيرة،
فلا تعمّ ما يكون في ضمن الأشعار المتضمّنة للوعظ والإرشاد ونحوهما.
[1] لا ينبغي التأمّل في كون الغناء عرفاً هي الكيفية للصوت، ولا دخل في صدقه لبطلان معنى الكلام وعدمه، ولذا من سمع من
بعيد صوتاً يكون فيه الترجيع الخاص المناسب للرقص وضرب الأوتار يحكم بأنّه غناء، وإن لم يتميّز عنده مواد الكلام، ولعلّ
هذا هو المراد من قولهم بأنّه مدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطلوب، بأن يكون مرادهم تطويل الصوت بنحو خاص أي تطويله
بترجعيه وترديده في الحلق، بنحو يقتضي الطرب أي يناسبه، والطرب حالة تعرض النفس من شدّة الفرح أو الحزن وحقيقته خروج
النفس عن اعتدالها، ولذا ربّما يفعل الإنسان في ذلك الحال ما لا يفعله في غيره، وعلى كلّ فإن أحرز في مورد كون الكيفية غناء
فهو، وإلا فمقتضى الأصل الإباحة، ويكون الشكّ في المقام من الشبهة المفهومية، حيث يكون المفهوم مجهولاً من حيث سعة دائرته
وضيقه، كما لا يخفى.
ويشهد على ما ذكرنا ـ من كون الغناء هي كيفية الصوت من غير دخل لمعنى الكلام فيه ـ موثّقة عبدالأعلى المتقدّمة، حيث أنّ الكلام
المنكر الوارد فيها ليس باطلاً، من جهة المعنى.
[1] أي الرجل الجالس مكان الخلوة.