ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص144
فإنّه يقال: يكون في المورد الذي للسحر حقيقة تحقّق الشيء بالسبب، ولكنّ السبب خفيّ لا يدركه عامّة الناس، وهذا بخلاف
المعجزة، فإنّه يكون فيها تحقّق الشيء بلا سبب عادي كالإرادة، كما يفصح عن ذلك الكتاب المجيد «إذ قال اللّه يا عيسى بن مريم
اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيّدتك بروح القدس تكلِّمُ النّاس في المهد وكهلاً وإذ علّمناك الكتاب والحكمة والتوراة
والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيراً بإذني وتبرىء الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج
الموتى بإذني»(149) والمراد بالإذن هو التكويني أي إعطاء السلطنة نظير قوله سبحانه: «وما قطعتم من لينة أو تركتموها على أُصولها
فبإذن اللّه»(150) حيث لا معنى للإباحة والترخيص الشرعي في مثل المقام. وعلى الجملة فالأفعال المنسوبة إلى عيسى على
نبيّنا وآله وعليه الصلاة والسلام، نظير الأفعال المنسوبة إلينا صادرة منه كصدورها منّا، غاية الأمر السلطنة عليها بإرادة اللّه
ومشيّته على ما ذكرنا تفصيل ذلك في بحث الطلب والإرادة.
[1] المراد بها العوذة كالتي تعلّق على الرقبة أو يشدّ على اليد أو غيرها للوقاية من الإغماء والصداع أو غيرهما من العاهات.
[2] قيد لجميع ما تقدّم من قوله كلام يتكلّم به“
[3] وهل يعتبر في تحقّق عنوان السحر أو حرمته الاضرار بالنفس أو بالغير أو لا يعتبر، وأنّه حرام مطلقاً؟ ظاهر الآية الواردة في
قضية هاروت وماروت أنّه كان الحرام هو المضرّ فقط، مع كون النافع أيضاً سحراً، ولكن لا دلالة فيها على بقاء النافع على الجواز
في غير ذلك الزمان والروايات الواردة في حرمة السحر بعضها مطلقة تعمّ المضرّ وغيره، كموثقة إسحاق بن عمّار عن جعفر عن أبيه
أنّ علياً (ع) كان يقول: «من تعلّم شيئاً من السحر كان آخر عهده بربّه وحدّه القتل إلا أن يتوب»(151)، وليس في البين ما
يوجب رفع اليد عن إطلاقها. ومرسلة إبراهيم بن هاشم وإن كانت ظاهرة في جواز النافع، لكنّ إرسالها مانع عن الاعتماد عليها فإنّه روى
علي بن إبراهيم عن أبيه عن شيخ من أصحابنا الكوفيين قال: «دخل عيسى بن ثقفي على أبي عبداللّه (ع)، وكان ساحراً يأتيه
الناس ويأخذ على ذلك الأجر، فقال له: جعلت فداك، أنا رجل كانت صناعي السحر وكنت آخذ عليه الأجر وكان معاشي، وقد حججت منه، ومنّ
اللّه عليَّ بلقائك، وقد تبت إلى اللّه عزّ وجلّ، فهل لي في شيء من ذلك مخرج؟ فقال أبو عبداللّه (ع): حل ولا تعقد»(152).
والصحيح أن يقال: العمل الذي أحرز أنّه سحر يحكم بحرمة تعليمه وتعلّمه وعمله، سواءً كان ضارّاً أم لا، أخذاً بإطلاق مثل موثّقة
إسحاق بن عمّار. وأمّا ما لم يحرز كونه سحراً كالتسخيرات والعزائم فإن كان مضرّاً، بحيث يكون ذلك الإضرار محرّماً، سواء كان
بالنفس أم بالغير، فلا يجوز مع خوفه، وإلا فلا يمكن الحكم بحرمته، لعدم إحراز عموم السحر له، ومجرّد ذكر العزائم أو التسخيرات
في بعض الكلمات من أقسام السحر لا يثبته، خصوصاً بملاحظة أنّه عدّ أيضاً منها النميمة. ودعوى الشخص بأنّه يعلم علم
الكيميا لجلب قلوب الناس إليه.