ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص139
[1] لا يخفى أنّ الإذلال يكون بالتعدّي على عرض الغير وكرامته، فيكون ظلماً. وأمّا الإيذاء فهو أمر آخر، وربما يكون في مورد
السب، كما إذا اطّلع عليه المسبوب، وكان الساب قاصداً إدخال الأذى عليه ولو بعلمه ببلوغ السبّ إليه، فيتأثّر به، وهذا محرّم آخر
يكون السابّ معه مستحقّاً لعقابين، لحرمة كلّ من الظلم والإيذاء. وأمّا إذا لم يلتفت إلى اطلاع المسبوب على سبه، يكون عقابه
على سبه الذي هو مرتبة من الظلم والعدوان.
ويستدلّ على حرمته من الكتاب بقوله عزّ من قائل: «واجتنبوا قول الزور»(140) بدعوى أنّ قول الزور هو الكلام القبيح. ومن أظهر
أفراده سبّ المؤمن، وفيه أنّ الزور ظاهره الباطل، فيكون قول الزور هو الكلام الباطل، واتّصافه بالبطلان يكون باعتبار معناه لا
محالة، فينطبق على الكذب وما هو متضمن له. وأمّا الانشاءات التي لا تتضمن الأخبار الكاذبة فلا يكون فيها بطلان، كما إذا قال ـ
بمسمع من الناس ـ لإنسان غير حاذق (يا حمار) فإنّ الكلام المزبور باعتبار كونه هدراً لكراهمة ذلك الإنسان وتنقيصاً له سبّ، ولكن
لا يكون من الباطل، نظير ما إذا قال للشجاع أنّه أسد، فإنّه مع فرض كونه شجاعاً لا يكون من الباطل، وقوله سبحانه: «لا يحب اللّه
الجهر بالسوء من القول»(141).
وفيه أنّ الظاهر ـ ولا أقلّ من الاحتمال ـ أن يكون قوله سبحانه «من القول» بياناً للجهر بالسوء لا للسوء، والمراد أنّه عند ارتكاب
إنسان سوءاً يكون اظهاره جهراً بالسوء، سواء كان المظهر بالكسر هو المرتكب أم غيره، وأنّ اللّه لا يحبّ هذا الإظهار والجهر إلا من
المظلوم، فإنّه يجوز له التظلّم، وإظهار ما فعله الغير في حقّه من السوء، وهذا لا يرتبط بالسبّ أصلاً. وعلى ذلك فارتكاب
الشخص للحرام معصية، وإظهار ارتكابه الناس معصية أُخرى.
[1] سندها معتبر، فإنّ الكليني رواها عن العدّة عن أحمد بن محمد عن الحسين ابن سعيد عن فضالة بن أيوب عن عبداللّه بن بكير
عن أبي بصير عن أبي جعفر (ع)، وسند رواية السكوني علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني(142) وفي بعض النسخ
كالشرف على الهلكة، وعليه يكون السباب مصدراً، كما في رواية أبي بصير. وأما على نسخة «كالمشرف» فالسباب صيغة مبالغة.