ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص134
[2] وهذا ثاني القولين الآخرين، وحاصله عدم جواز أخذ الأُجرة على القضاء مع تعيّنه أو عدم فقره، وجواز أخذها مع حاجة القاضي وعدم
تعيّن القضاء عليه، أمّا عدم جواز أخذها مع تعيّن القضاء عليه فباعتبار عدم جواز أخذ الأُجرة على الواجبات، وأمّا اعتبار فقره
فيستظهر من روايتي يوسف وعمّار، ولعلّ وجه الاستظهار أنّ المذكور في رواية عمّار أجر القضاة، ومن الظاهر أنّ القضاة في ذلك
الزمان كانوا من المرتزقة من بيت مال المسلمين ومنصوبين من قبل من كان يدّعي أنّ له ولاية على المسلمين، ولم يكن لهم حاجة إلى
أخذ المال من المترافعين كما أنّ المذكور في رواية يوسف من يكون مرجعاً للناس في فقهه، ويبعد فرض الحاجة في مثله.
ولكن لا يخفى ما فيه، فإنّ الحكم الوارد في الصحيحة لا يختصّ بالقضاة المنصوبين في ذلك الزمان ليقال بعدم الحاجة لهم
وحاجة الناس إلى شخص لفقهه لا تلازم غناه، خصوصاً فيما إذا كان الناس المراجعون إليه جماعة من الفقراء.
فتحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ الأظهر بحسب الروايات عدم جواز أخذ الجعل والأجر على القضاء أو ما هو من شؤونه بلا فرق بين حاجة
القاضي وعدمها وتعيّن القضاء عليه وعدمه، ويتعدّى إلى أخذ الجعل والأجر على الإفتاء وبيان الأحكام الشرعية الكلّية باعتبار عدم
احتمال الفرق بينهما في ذلك.
[1] قد ذكرنا دلالة الآية المباركة على عدم جواز إعطاء المال للحكّام والقضاة لغاية أكل أموال الناس، بلا فرق بين أنيكون هذا الأكل
غرضاً أوّلياً أو كان الغرض الأوّلي جلب مودّة الحاكم ومحبّته إليه حتّى يحكم له، وكما أنّ الإعطاء على المعطى والأخذ على الحاكم
في الأول حرام وسحت، كذلك في الفرض الثاني، حيث أنّ النهي ـ عن إيصال المال إلى الحاكم وسيلة إلى أكل أموال الناس في الآية
المباركة ـ يناسب التحريم فيهما، كما أنّ الروايات ـ الدالّة على كون الرشا كفراً باللّه وعلى عدم صيرورة الرشوة ملكاً للحاكم كما
هو ظاهر السحت ـ تعمّهما، وعلى ذلك فالهدية أي ما يهبه الشخص للقاضي لغاية جلب مودّة القاضي إليه حتّى توجب الحكم له حقّاً أو
باطلاً داخلة في عنوان الرشوة، فلا يجوز للمعطي الإعطاء ولا للقاضي أخذها، ولو نوقش في شمول معناها لها، فلا ريب في أنّها لاحقة
بها حكماً من حيث الإعطاء وعدم صيروتها ملكاً للقاضي، باعتبار عدم احتمال الفرق بينهما في هذه الجهة. وأمّا ما استشهد به
المصنّف «ره» من الروايات فهي لا ترتبط بالهدية المعطاة للقاضي، كما لا يخفى.
[2] المال المعطى للغير كالإعطاء لإصلاح أمره عند الأمير أو قضاء حاجة له عنده له صور ثلاث:
الأُولى: إعطاؤه للأمر المحرّم.
الثانية: إعطاؤه لإصلاح أمره حلالاً أو حراماً.