پایگاه تخصصی فقه هنر

ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص127

منها: قوله سبحانه حكاية عن إبليس عليه اللعنة «ولآمرنّهم فليغيّرن خلق اللّه»(123) بدعوى أنّ ما يأمر به إبليس لا يكون إلا

فعلاً محرّماً، وحلق اللحية من تغيير خلق اللّه، ولكن لا يخفى أنّ مثل حلق اللحية لو كان تغييراً لخلق اللّه ومحرّماً
باعتبار ذلك لكان شقّ الطرق في الجبال، وحفر الآبار، وزرع الأشجار وغيرها، تغييراً لخلقة اللّه تعالى، والالتزام بحرمتها غير
ممكن وحلّيتها بتخصيص الآية باعتبار كونه من تخصيص الأكثر غير ممكن، فلابدّ من حمل الآية على مثل الفطرة لمخلوق جميع
الناس عليها على ما يشير إليها قوله سبحانه: «فطرة اللّه التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق اللّه»(124) والمراد من تغييرها
إفسادها بجعل النفس مركزاً لطرح الشرور ومولداً لنيات السوء أو على غيرها مما لا قرينة في الآية على تعيينه.

الثاني: انّ الروايات الواردة في حفّ الشوارب وإعفاء اللحية كمرسلة الصدوق «ره» قال: «قال رسول اللّه (ص): حفوا الشوارب واعفوا

اللحى ولا تشبّهوا باليهود»(125)، وفي الأُخرى قال: «قال رسول اللّه (ص) إنّ المجوس جزّوا لحاهم ووفّروا شواربهم، وأمّا نحن
نجزّ الشوارب ونعفى اللحى وهي الفطرة»(126)، وفيه أنّ مثل هذه الروايات حتّى مع الإغماض عن أسانيدها لا دلالة لها على حرمة حلق
اللحية، فإنّ الحف عبارة عن الجز والقطع، والإعفاء التوفير، ومن الظاهر أنّ توفير اللحية غير واجب قطعااً، بل الواجب على
تقديره رؤية الشعر في الوجه، فلابدّ من حملها على الاستحباب، والمراد بعدم التشبّه باليهود عدم تطويل اللحية بما هو خارج عن
المتعارف أو زائد على القبضة، كما كان يفعل اليهود على ما قيل في رواية حبابة الوالبية، قالت: «رأيت أميرالمؤمنين (ع) في شرطة
الخميس، ومعه درة لها سبابتان يضرب بها بياع الجرّي والمارماهي والزمّار، ويقول لهم: يا بيّاعي مسوخ بني إسرائيل وجند بني
مروان، فقام إليه فرات بن أحنف فقال: يا أميرالمؤمنين وما جند بني مروان؟ قال فقال له: أقوام حلقوا اللحى وفتلوا الشوارب
فمُسخوا»(127)، وظاهرها مع الإغماض عن سندها عدم جواز حلق اللحية مع تفتيل الشوارب لا مطلقاً، كما لا يخفى.

الثالث: ما رواه ابن إدريس في آخر السرائر نقلاً عن كتاب الجامع لأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي صاحب الرضا (ع)، قال:

سألته عن الرجل هل يصلح له أن يأخذ من لحيته؟ قال: أما من عارضيه فلا بأس، وأمّا من مقدّمها فلا»(128)، ولكن ظاهره عدم جواز الأخذ من
مقدّم اللحية، وهذا لا يمكن الالتزام به، وحمله على جواز حلق العارضين دون مقدّم اللحية بلا قرينة غير ممكن، وإسناد ابن إدريس إلى
جامع البزنطي غير معروف لنا، ولكن رواه أيضاً علي بن جعفر في كتابه. وقد ذكرنا أنّ طريق صاحب الوسائل إلى كتابه ينتهي
إلى الشيخ «ره»، وسند الشيخ «ره» إلى الكتاب المزبور صحيح. وفي معتبرة سدير الصيرفي، قال: «رأيت أباجعفر (ع) يأخذ
عارضيه ويبطن لحيته»(129)، وفي دلالتها على الاستحباب أيضاً تأمّل، لاحتمال كون ذلك من اختياره (ع) أحد أفراد المباح، كما لا
يخفى.