پایگاه تخصصی فقه هنر

ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص120

وأمّا سائر الناس فلا يكون إخبار المنجّم حجّةً وطريقاً شرعيّاً لهم بالإضافة إلى مثل رؤية الهلال ووقوع الخسوف أو الكسوف مما

وقع موضوعاً في الخطابات الشرعية، لاحتمال خطأهم في الحساب وسائر ما له دخل في أخبارهم. نعم لو حصل لأحد الاطمئنان بصحّة
أخبارهم فذلك أمر آخر، حيث أنّ العلم أو الاطمئنان حجّة للمكلّف من أيّ مصدر كان، فيجوز للمكلّف الإفطار فيما إذا حصل له
الاطمئنان بصحّة أخبارهم برؤية الهلال ونحو ذلك. وما ذكره المصنّف «ره» ـ من أنّه يمكن الاعتماد في مثل ذلك بشهادة العدلين منهم،
كما إذا احتاج الحاكم لتعيين أجل دين ونحوه ـ غير صحيح على إطلاقه، فإنّه إذا باع مثلاً متاعاً إلى حلول الشهر الفلاني، وأخبر
المنجّم برؤية الهلال في الليلة الفلانية، فلا يصحّ للبايع مطالبة المشتري بالدّين في ذلك الزمان بمجرّد الإخبار المزبور،
حتّى فيما إذا كان عدلاً ووافقه فيه منجّم عادل آخر، وذلك لعدم دخول أخبارهم في الشهادة برؤية الهلال والبيّنة المعتبرة في ثبوت
رؤية الهلال أو غيرها هي الاخبار عن الرؤية أو غيرها بالحسّ لا بالحساب والكتاب، كما لا يخفى.

الثاني: إنّ الإخبار عن الحوادث السفلية ـ المعبَّر عنها بأحكام النجوم باعتبار كون أوضاعها مجرّد علامات لتلك الحوادث ولا تأثير

لها بنحو العلّية ولا بنحو الاقتضاء ـ إن كان بنحو الجزم والبتّ بحيث لا يحتمل أو لا يمكن عدم وقوع الحادثة التي كشف عن وقوعها
الوضع الفلكي حتّى بالتضرّع والدعاء إلى اللّه سبحانه والتوسّل إلى أوليائه أو بالصدقة ونحوها فهو باطل، ويكفي في
بطلانه وعدم جوازه الأدلّة القاطعة من الكتاب والسنّة على الترغيب في الدعاء والتوسّل والصدقة وغيرها مما يتضرّع العبد إلى
بارئه في دفع ملمّاته وكشف نوائبه. ويدلّ أيضاً على ذلك مثل خبر المنجم الذي أتاه (ع) عند مسيره إلى أهل النهروان، حيث لم
يسأل سلام اللّه عليه ـ على ما في الخبر ـ عن كون إخباره بما ذكر باعتقاد أنّ للطالع تأثيراً وأنّه كاشف، بل إنّما أنكر عليه
إخباره البتي بقوله: «ومن صدقك بهذا استغنى بقولك عن الاستعانة باللّه».

وبما ذكرنا ظهر أنّ ما ذكره المصنّف «ره» من أنّه لا حرج قطعاً على من حكم قطعاً بنزول المطر في هذه الليلة لا يمكن المساعدة عليه

بإطلاقه. والحاصل أنّ هذا القسم من الإخبار داخل في التنجيم المنكر في الأخبار، وإن كان المخبر بالحوادث كذلك غير جازم بها، ومعذلك
أخبر بها جزماً يكون إخباره محرّماً من جهة الكذب أيضاً. ولو أخبر بها احتمالاً ظنّاً أو تخميناً مع التزامه بأنّ الأُمور بيد اللّه
يمحو ما يشاء ويثبت وعنده علم الغيب، لما كان به بأس، كما يظهر وجهه بالتأمّل فيما ذكرنا. وليس في البين خبر معتبر يكون
مقتضاه عدم جواز ذلك أيضاً، بل في بعض الأخبار ما يقتضي جوازه.

ويلحق بهذا القسم ما إذا اعتقد بأنّ لأوضاع الكواكب دخلاً وتأثيراً في الحوادث السفلية، إلا أنّه بنحو الاقتضاء، وبأنّ اللّه

مختار لا مغلول اليدين يمحو ما يشاء ويثبت بحيث يمكن التخلف بمثل التضرّع والتوسّل والصدقة وغيرها مما أُشير في الآيات
والأخبار إلى الاهتمام بها. ويظهر هذا النحو من الاقتضاء من بعض الأخبار كالتي أوردها المصنّف «ره» في الوجه الثالث من وجوه ربط
الحركات الفلكية بالكائنات، إلا أنّها لضعفها سنداً لا تصلح للاعتماد عليها في القول والاعتقاد كما لا يخفى.