ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص90
والحاصل أنّ هذا الملاك لا ينطبق على العنب، حيث لم يتعلّق به النهي في خطاب، بل المنهي عنه بيعه أو شراؤه بقصد تخميره.
نعم الحديث لا يخلو عن إشعار إلى كون النهي عن الشيء موجباً لفساد بيعه لحرمة الانتفاع معه، وهذا الأمر موجود في المقام أيضاً،
حيث أنّ الانتفاع من العنب بالتخمير أو شراءه أو بيعه بداعيه حرام، بل يجري في مورد قصد المشتري التخمير، وكان بيع البايع
منه لجهله بالحال وعدم علمه بأنّ المشتري يعمله خمراً، حيث أنّ شراء المشتري باعتبار كونه انتفاعاً محرّماً من العنب حرام،
فيفسد، وبما أنّ البيع لا يتبعّض بأن يصحّ من طرف البايع ويبطل من طرف المشتري فيحكم بفساده من الطرفين.
ومما ذكر يظهر أنّ المذكور في الحديث من ملاك فساد البيع لا يعم المقام حتّى لو قيل بوجود فقرة أُخرى في الحديث، كما في
النسخة المطبوعة من تحف العقول الموجودة في أيدينا، وهي قوله: «أو باب من الأبواب يقوى به باب من الضلالة أو باب من أبواب
الباطل» ووجه الظهور أنّه سلّمنا كون المراد بالباطل مطلق الانتفاع المحرّم فرضاً، إلا أنّه ليس مجرّد حرمة الانتفاع ملاكاً،
لفساد البيع، بل الملاك تعلّق النهي بنفس العين، والعنب لم يتعلّق به النهي في خطاب.
هذا مع أنّ وجود فقرة في مثل تحف العقول المطبوع لا يوجب الاعتماد عليها، بل لابدّ من إحراز وجود تلك الجملة في رواية حسن بن
شعبة الواصلة إلينا بطريق معتبر كما لا يخفى.
لا يقال: لا يمكن الحكم في المقام بصحّة البيع حتّى مع فرض كونه محرّماً بعنوان الإعانة على الإثم أو المسامحة في دفع المنكر.
والوجه في ذلك أنّ عنوان الإعانة إنّما يتمّ بتسليم العنب مثلاً إلى المشتري، وإذا كان التسليم محرّماً، فلا يتمّ البيع، حيث
لا يعمّه قوله سبحانه: «أوفوا بالعقود» بل ولا قوله: «أحلّ اللّه البيع» باعتبار أنّ من شرط البيع التمكّن من تسليم المبيع.
فإنّه يقال: غاية الأمر أن لا يعمّه «أوفوا بالعقود» و«أحلّ اللّه البيع» قبل الإقباض، وأمّا بعده ولو عصياناً فلا مانع من
شمولهما له، فتكون النتيجة أنّ إقباض المبيع شرط لتمام البيع، نظير تمام بيع السلم بقبض الثمن.
وبعبارة أُخرى: البيع قبل الإقباض أو مع الإقباض محرّم بعنوان الإعانة على الإثم أو المسامحة في دفع المنكر، وبهذا الاعتبار لا
تعمّه أدلّة الإمضاء ودليل وجوب الوفاء بالعقود، ولكن تعمّه بعد ذلك.
وإن شئت قلت: إنّ المقام نظير ما خرج عن العام أو المططلق فرد من الأوّل، ودار أمره بين الخروج إلى الأبد أو في الزمان الأوّل فقط،
حيث يرجع فيه إلى العام والمطلق بالإضافة إلى ما بعد ذلك الزمان، كما يذكر مثل ذلك فيما زذا بع الراهن الرهن ثمّ فكّه. ومما ذكرنا
يظهر أنّه لا مانع من صحّة البيع من الأوّل فيما إذا كان البيع بالمعاطاة أي بإقباض المبيع، ووجه الظهور هو أنّ النهي عن إيجاده بذلك
الإقباض لا ينافي إمضاءه بعد حصوله.