ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص88
هذا بالنسبة إلى المنع القولي، وأمّا المنع الخارجي في مقابل المنع الإنشائي والقولي، فلا دليل على وجوبه لا عقلاً ولانقلاً، إلا
أنّه ربّما يقال باستفادة وجوبه من فحوى دليل النهي عن المنكر، بدعوى كون ملاك وجوب النهي عنه سدّ طريق الفساد والمنع عن
حصوله خارجاً، وفيه أنّه لا يمكننا استفادة وجوبه فيما إذا كان المنع المزبور ملازماً أو موقوفاً على ارتكاب عمل لا يجوز ذلك العمل
بمقتضى سائر الأدلّة الشرعية، كما إذا كان منع شخص عن الإفطار في نهار شهر رمضان موقوفاً على دخول بيته بدون اذنه ورضاه، أو
موقوفاً على ترك بعض الصناعات الواجبة ولو بنحو الكفاية، كما إذا كان المنع المزبور موقوفاً على ترك بيع الطعام من جميع
الناس أو غير ذلك، بل يمكن أن يقال بعدم وجوب المنع مطلقاً، حيث لم يظهر من أدلّة النهي عن المنكر أنّ تمام ملاك وجوبه دفع الفساد
حتّى يمكن التعدّي، كما يقال بأنّه لم يظهر من دليل اعتبار خبر العدل أنّ تمام ملاكه اعتباره هو الظنّ الحاصل منه حتّى يوجب
ذلك الالتزام باعتبار سائر الظنون.
نعم، بعض الأُمور الفاسدة والمنكرات التي نعم بعدم رضا الشارع بحصولها خارجاً بأيّ حال حتّى فيما إذا حصل الفساد من غير
المكلّف كرواج القمار وشرب الخمور علناً وقتل النفوس ونهب الأموال وسائر أنواع الفساد مما يختلّ به نظام اجتماع المسلمين،
فيجب منعها قولاً وعملاً، وفيما إذا كان منعها موقوفاً على ارتكاب أمر لا يجوز ذلك الأمر بمقتضى الأدلّة الشرعية يكون المقام من
المتزاحمين، فيجب فيهما رعاية الأهمّ أو محتمل الأهمّية.
ثمّ إنّه على القول بوجوب النهي عن المنكر فيما إذا لم يتوقّف على ارتكاب الحرام، لا فرق في وجوبه بين من يهمّ بالمعصية
حال المنع، وبين من يهمّ بها بعد ذلك، حيث أنّ مقتضى الآية المباركة وجوب النهي عن المنكر في كلتا الصورتين، ويستفاد وجوب
المنع عنه فيهما من فحواها.
نعم، الرواية التي أشار إليها المصنّف «ره» من قوله (ع): «لولا أنّ بني أُمية وجدوا من يجبي لهم الصدقات ويشهد جماعتهم ما سلبوا
حقّنا» لا دلالة فيها على ذلك. حيث أنّ كون الشخص من أعوان الظلمة في نفسه من المحرّمات حتّى فيما إذا لم يعدّ من أعوانه في
ظلمه، بل في سائر أُموره، فهي ناظرة إلى ذلك لا إلى عدم جواز العمل فيما يكون سبباً لإرادة الغير المعصية بعد ذلك.