ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص85
المنكر كرفعه واجب[1].
[1] حصال الاستدلال أنّ دفع المنكر أي الفعل الحرام الصادر عن الغير كرفعه واجب على المكلّفين، والمراد برفعه قطع استمراره
فيما كان له استمرار، كما إذا جعل حمام بيته بحيث يصبّ غسالته في ملك الغير، والمراد بالدفع الممانعة عن أصل صدوره، والحاصل
أنّه إذا كان الصادر عن الغير عملاً محرّماً يجب على السائرين منعه بقطع استمراره أو الممانعة عن صدوره، وبما أنّ هذا التكليف
كسائر التكاليف لا يتعلّق بغير المقدور، فيكون الواجب هو المنع المقدور. وعلى ذلك، فلو كان المشتري المريد تخمير العنب حال
شرائه بحيث لا يجد العنب على تقدير عدم بيع هذا البايع، ففي الفرض يكون البايع المزبور متمكّناً على منعه عن التخمير
بترك بيعه منه، فيجب. وأمّا لو كان بحيث لو لم يبع منه العنب لحصّله من مصدر آخر ويحصل منه التخمير لا محالة، فلا يكون
ترك البايع البيع منه منعاً للمشتري عن التخمير حتّى يجب.
لا يقال: أنّه لا فرق ـ على ذلك ـ في عدم جواز بيع العنب من المشتري بين كون مريداً للتخمير حال الشراء أو بدا له التخمير بعد
شرائه، وكما لا يجوز البيع في الأوّل كذلك في الثاني.
فإنّه يقال: لا يجب المنع عن المنكر في الثاني، بل إنّما يجب فيما إذا كان الغير مريداً له حال المنع. وأمّا الذي سيهمّ بالمنكر
بعد ذلك فلا دليل على وجوب تعجيزه فعلاً، حتّى لا يقصد المعصية بعد ذلك، حيث أنّ الدليل النقلي على وجوب منع الغير عن
المنكر لا يدلّ على أزيد من ذلك، والعقل القاضي بوجوب اللّطف يحكم بلزوم فعل ما يوجب قرب العباد إلى اللّه سبحانه. ومما
يوجب قربهم امتناعهم عن المنكر ولا يستقل عن أزيد مما ذكر.
لا يقال: كما يحرم على البايع بيع العنب من المشتري المزبور كذلك يحرم بيعه منه على سائر الباعة، فلا يصحّ في حكم العقل
ارتكاب البايع المزبور الحرام وبيعه العنب منه معتذراً بأنّه لو لم يبعه لباعه الآخر.