ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص83
[3] وهذا بيان ضابط آخر لصدق عنوان الإعانة على الحرام، وحاصله: أنّه إذا لم يكن داعي المكلف إلى فعله ـ بيعاً كان أو غيره ـ توصّل
الغير به إلى الحرام، بل كان داعيه إلى فعله تحقيق نفس ما هي مقدّمة للحرام الذي يعلم بإرادة الغير إيّاه، كما إذا كان غرضه من بيعه
تملّك المشتري الخشب أو العنب، ولكن مع علمه بأنّه سوف يعمل أو يصنع خمراً أو آلة القمار، ففي مثل هذا المورد مع عدا الفائدة
المترتبة على تلك المقدّمة الأمر المحرّم فقط، أي المحرّم الذي يريده الغير، كما في إعطاء السوط أو السيف للظالم الذي يريد
ضرب الآخر أو قتله يكون الإتيان بالمقدّمة إعانة للغير على المحرّم، فلا يجوز. وأمّا إذا لم تكن الفائدة المترتبة على تلك
المقدّمة منحصرة بالحرام عرفاً حتّى حال الإتيان بها، فلا يكون مجرّد الإتيان بها حتّى مع العلم بأنّ الغير يستفيد منها الحرام
داخلاً في عنوان الإعانة على الإثم. نعم، لو كان داعيه إليها توصّل الغير بها إلى المحرّم لدخل في العنوان المزبور بلا كلام.
والحاصل أنّه لو أحرز في مورد أنّ الفائدة المترتّبة على المقدّمة منحصرة بالحرام عرفاً كان الإتيان بها محرّماً باعتبار كونها
إعانة على الإثم، وكذا ما إذا كان داعي الفاعل توصّل الغير بها إلى المحرّم، وإلا فلا موجب للحكم بحرمة المقدّمة لعدم إحراز كونها إعانة
على الإثم.
أقول: لعلّ هذا الكلام عين ما تقدّم عن الأردبيلي «قدس سره» فلا وجه لعدّه تفصيلاً آخر كما لا يخفى. والصحيح في المقام أن
يقال: إنّ إعانة الغير على عمله عبارة عن تقليل الكلفة عنه في ذلك العمل بتهيئة مقدّمته، فلا يكون الإتيان بالشيء إعانة له
على ذلك العمل فيما إذا لم يكن تقليل الكلفة عنه، كما في تجارة التجار أو مسير الحاج، فإنّ هذا لا يكون تقليل كلفة الظلم الصادر
من العشار أو الظالم، بل فيهما تكثير لكلفته كما لا يخفى، وكذا لا تحصل الإعانة فيما إذا كان العمل الصادر عن الغير متوقفاً
عليه عقلاً، ولكن لا يحسب ذلك الشيء مقدّمةً لذلك العمل، كما في بيع الطعام ونحوه لأهل المعاصي، فإنّ المعصية الصادرة عن
الفاسق تتوقف عقلاً على قوّة جسمه وسلامة بدنه، إلا أنّ بيع الطعام منه أو إعطاءه له مجّاناً لا يحسب عرفاً مقدّمة لفسقه، ولذا
يكون الفاسق بصدد تحصيل مثل الطعام حتّى فيما إذا ندم وبنى على ترك فسقه. وهذا بخلاف ما إذا عدّ الشيء عرفاً من مقدّمات
العمل الصادر عن الغير بحيث يكون في تحقيقها تقليل لكلفة ذلكا لعمل عنه كما في إعطاء العنب للخمّار مجّاناً أو بعوض، حيث
أنّ التخمير يتوقّف عرفاً على تحصيل العنب، وفي بيعه منه تقليل لكلفة طلبه، وكما إعطاء السيف أو السوط للظالم مجّاناً
أو بعوض، فإنّ فيه تقليلاً لكلفة تحصيلهما عنه.
ثمّ إنّه لا يكون صدق الإعانة على الإثم على فعل المقدّمة موقوفاً على كون الداعي إلى فعلها توصّل الغير بها إلى ذلك الإثم،
بل لا يعتبر العلم أيضاً بتوصّل الغير بها إليه، ولو احتمل توصّله فمع تحقّق الحرام من الغير يحصل عنوان الإعانة بفعل
المقدّمة. نعم مادام لم يحرز هذا التوصّل بوجه معتبر يكون المكلف معذوراً في تحقيق تلك المقدّمة كسائر الموارد التي لا يحرز
فيها عنوان الحرام بالشبهة الخارجية.