ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص76
[1] تعرّض «ره» أوّلاً لما إذا باع مثلاً العنب ممن يعمله خمراً ويكون داعيه إلى بيعه منه تخميره، ونفى في هذه الصورة الإشكال
والخلاف في حرمة البيع، وظاهر الحرمة عند إضافتها إلى البيع، وإن كان هو الفساد، إلا أنّ تعليلها بكون البيع إعانة على الإثم
قرينة على كون المراد هو التكليف. ثمّ تعرّض لما باع العنب مثلاً ممن يعمله خمراً من غير أن يكون داعيه إلى بيعه منه تخميره،
بحيث يبيعه منه حتّى لو لم يعمله خمراً، وذكر أنّ الأكثر في هذا الفرض على الجواز لبعض الأخبار، كصحيحة عمر بن أُذينة،
قال: «كتبت إلى أبي عبداللّه (ع) أسأله عن رجل له كرم، أيبيع العنب والتمر ممن يعلم أنّه يجعله خمراً أو سكراً؟ فقال: إنّما باعه
حلالاً في الابان الذي يحلّ شربه أو أكله فلا بأس ببيعه»(71)، ورواية أبي كهمس، قال: «سأل رجل أبا عبداللّه (ع) عن العصير
فقال: لي كرم وأنا أعصره كلّ سنة وأجعله في الدنان ـ إلى أن قال (ع) ـ هو ذا نحن نبيع تمرنا ممن نعلم أنّه يصنعه خمراً»(72) ونحوهما
غيرهما، وفي مقابلهما صحيحة ابن أُذينة ومعتبرة عمرو بن حريث، وفي الأُولى: «كتبت إلى أبي عبداللّه (ع) عن رجل له خشب،
فباعه ممن يتخذه صلباناً قال: لا»(73)، وفي ثانيهما، قال: «سألت أبا عبداللّه (ع) عن التوت أبيعه ممن يصنع الصليب والصنم؟
قال: لا»(74)، وعن بعض الجمع بين الطائفتين بحمل الناهية على صورة اشتراط المنفعة المحرّمة على المشتري والمجوّزة على غير
صورة الاشتراط. وأورد «ره» على ذلك بأنّه بعيد، فإنّه لا يكون للمسلم داع فيما إذا باع شيئاً إلى أن يشترط على مشتريه
استعماله في الحرام ثمّ يسأل الإمام (ع) عن ذلك، فلا يمكن حمل صحيحة ابن أُذينة ونحوها على ذلك، وذكر «ره» وجهين آخرين في الجمع
بينهما:
الأوّل: حمل الناهية على الكراهة بشهادة صحيحة الحلبي عن أبي عبداللّه (ع) أنّه «سُئل عن بيع العصير ممن يصنعه خمراً، فقال:
بيعه ممن يطبخه أو يصنعه خلاً أحبُّ إليّ، ولا أرى بالأوّل بأساً»(75) حيث أنّ التعبير عن ترك البيع بالأحبّ ونفي البأس
بعده قرينة على الكراهة.
والثاني: الالتزام بالمنع والتحريم في بيع الخشب ممن يصنعه صليباً أو صنماً، كما هو مفاد الطائفة الثانية وبالجواز في
غيرهما، وقال: إنّ هذا الجمع قول فصل لو لم يكن قولاً بالفصل، يعني تفصيل في المسألة لو لم يكن خرقاً للإجماع المركّب.
أقول: المتعيّن هذا الوجه وحمل الجواز على كونه بنحو الكراهة غير ممكن، وذلك فإنّه قد ورد في صحيحة رفاعة قوله (ع): «ألسنا نبيع
تمرنا ممن يجعله شراباً خبيثاً»(76) حيث لا يمكن الالتزام باستمراره (ع) على ارتكاب المكروه، بل لا يمكن ذلك حتى في صحيحة
عمر بن أُذينة فإنّه ذكر (ع) فيها جواز بيع الخشب ممن يصنعه برابط ثمّ منع عن بيعه ممن يعمله صنماً أو صليباً.
والحاصل أنّ المتعيّن هو الوجه الأخير، يعني أنّ بيع الشيء ممن يجعله هيكل عبادة صنماً أو صليباً لا يجوز تكليفاً كما مرّ،
بخلاف البيع في غير ذلك فإنّه جائز بلا كراهة، نعم يستحبّ اختيار المشتري الذي يصرف الشيء في الحلال كما هو مقتضى
التعبير بصيغة التفضيل في صحيحة الحلبي المتقدّمة التي جعلها «ره» شاهدة الجمع بين الطائفتين.